الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
( فصل ) : وذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث شجاع بن وهب إلى الحارث بن [ ص: 288 ] أبي شمر وهو بغوطة دمشق ، فكتب إليه بمرجعه من الحديبية .

بسم الله الرحمن الرحيم .

من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر .

سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدق .

فإني أدعوك أن تؤمن بالله وحده لا شريك له ، يبقى لك ملكك ، وختم الكتاب .

فخرج به شجاع بن وهب ، قال : فانتهيت إلى حاجبه فأخذه يومئذ وهو مشغول بتهيئة الإنزال والألطاف لقيصر وهو جاء من حمص إلى إيلياء حيث كشف الله عنه جنود فارس ، شكرا لله عز وجل ، قال : فأقمت على بابه يومين أو ثلاثا ، فقلت لحاجبه : إني رسول رسول الله إليه ، فقال حاجبه - وكان روميا ، اسمه مري - : لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا ، وجعل صاحبه يسألني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه ، فكنت أحدثه فيرق حتى يغلبه البكاء ، ويقول : إني قرأت في الإنجيل وأجد صفة هذا النبي بعينه ، فكنت أراه يخرج من الشام ، فأراه قد خرج بأرض القرظ ، فأنا أؤمن به وأصدقه ، وأنا أخاف من الحارث بن أبي شمر أن يقتلني .

[ ص: 289 ] قال شجاع : فكان هذا الحاجب يكرمني ويحسن ضيافتي ، ويخبرني عن الحارث ما بالناس منه ، ويقول : هو يخاف قيصر ، قال : فخرج الحارث يوما وجلس فوضع التاج على رأسه ، فأذن لي عليه ، فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه ، وقال : من ينتزع مني ملكي ؟ ! أنا سائر إليه ولو كان باليمن جئته ، علي بالناس ، فلم يزل جالسا يعرض حتى الليل ، وأمر بالخيل أن تنعل ، ثم قال : أخبر صاحبك ما ترى ، وكتب إلى قيصر يخبره بخبري فصادف قيصر بإيليا ، وعنده دحية الكلبي قد بعثه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب إليه أن لا تسر إليه واله عنه ووافني بإيليا . قال : ورجع الكتاب وأنا مقيم ، فدعاني وقال : متى تريد أن تخرج إلى صاحبك ؟ قلت : غدا ، فأمر لي بمائة مثقال ذهبا ، ووصلني ( مري ) بنفقة وكسوة ، وقال : اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام ، وأخبره أني متبع دينه .

قال شجاع : فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : باد ملكه ، وأقرأته من مري السلام وأخبرته بما قال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق
.

التالي السابق


الخدمات العلمية