وأما النصارى فقد عرفت ما الذي أدركوه من معبودهم وما وصفوه به ، وما الذي قالوه في نبيهم ، وكيف لم يدركوا حقيقته ألبتة ، ووصفوا الله بما هو من أعظم العيوب والنقائص ، ووصفوا عبده ورسوله بما ليس له بوجه من الوجوه ، ولا عرفوا الله ولا رسوله ، والمعاد الذي أقروا به لم يدركوا حقيقته ، ولم يؤمنوا بما جاءت به الرسل من حقيقة ، إذ لا أكل عندهم في الجنة ولا شرب ولا زوجة هناك ، ولا حور عين يلذ بهن الرجال كلذاتهم في الدنيا ، ولا عرفوا حقيقة أنفسهم وما تسعد به وتشقى ، ومن لم يعرف ذلك فهو أجدر أن لا يعرف حقيقة شيء كما ينبغي ألبتة .
فلا لأنفسهم عرفوا ولا لفاطرها وباريها ، ولا لمن جعله الله سببا في فلاحها وسعادتها ، ولا للموجودات وأنها جميعها فقيرة مربوبة مصنوعة ناطقها آدميها وجنها [ ص: 586 ] وملكها ، وكل من في السماوات والأرض عبده وملكه ، وهو مخلوق مصنوع مربوب فقير من كل وجه ، ومن لم يعرف هذا لم يعرف شيئا .