الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين علما ؟ قالوا : أسقف الكنيسة ، فجئته فقلت له : إني قد رغبت في هذا الدين ، وأحببت أن أكون معك فأخدمك في كنيستك ، وأتعلم منك ، وأصلي معك ، قال : ادخل ، فدخلت معه ، فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوا له شيئا منها اكتنزه لنفسه ، ولم يعط المساكين ، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق ، فأبغضته بغضا شديدا [ ص: 271 ] لما رأيته يصنع ، ثم مات واجتمعت النصارى ليدفنوه ، فقلت لهم : إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها ، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا ، فقالوا لي : وما علمك بذلك ؟ قلت : أنا أدلكم على كنزه ، فأريتهم موضعه ، فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا ، فلما رأوها قالوا : والله لا ندفنه أبدا ، فصلبوه ورموه بالحجارة ، وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه ، فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه ، ولا أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ، ولا أدأب ليلا ونهارا منه ، فأحببته حبا شديدا لم أحبه شيئا قبله ، فأقمت معه زمانا ، ثم حضرته الوفاة ، فقلت له : يا فلان ، إني قد كنت معك فأحببتك حبا شديدا لم أحبه شيئا قبلك ، وقد حضرك من أمر الله ما ترى ، فإلى من توصي بي ؟ وبمن تأمرني ؟ فقال : أي بني ، والله ما أعلم أحدا على ما كنت عليه ، ولقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه ، إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية