الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
ثم كان لهم مجمع عاشر لما مات الملك وولي بعده ابنه واجتمع فريق المجمع السادس ، وزعموا أن اجتماعهم كان على الباطل ، فجمع الملك مائة وثلاثين أسقفا فثبتوا قول المجمع السادس ، ولعنوا من لعنهم وخالفهم ، وثبتوا قول المجامع الخمسة ، ولعنوا من لعنهم وانصرفوا ، فانقرضت هذه المجامع والحشود وهم علماء النصارى وقدماؤهم ، وناقلوا الدين إلى المستأخرين ، وإليهم يستند من بعدهم .

وقد اشتملت هذه المجامع العشرة المشهورة على زهاء أربعة عشر ألفا من الأساقفة والبتاركة والرهبان ، كلهم يكفر بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا .

فدينهم إنما قام على اللعنة بشهادة بعضهم على بعض ، وكل منهم لاعن ملعون ، فإذا كانت هذه حالة المتقدمين مع قرب زمنهم من أيام المسيح وبقاء أحبارهم فيهم ، والدولة دولتهم ، والكلمة كلمتهم ، وعلماؤهم إذ ذاك أوفر ما كانوا ، واحتفالهم بأمر دينهم واهتمامهم به كما نرى ، ثم هم مع ذلك تائهون حائرون بين لاعن وملعون ، لا يثبت لهم قدم ، ولا يتحصل لهم قول في معرفة معبودهم ، بل كل منهم قد اتخذ إلهه هواه ، وباح باللعن والبراءة ممن اتبع سواه ، فما الظن بحالة الماضين ، ونفاية الغابرين وزبالة [ ص: 574 ] الحائرين وذرية الضالين ، وقد طال عليهم الأمد ، وبعد العهد ، وصار دينهم ما يبلغونه عن الرهبان ، قوم إذا كشفت عنهم وجدتهم أشبه شيء بالأنعام ، وإن كانوا في صور الأنام ، بل هم كما قال تعالى - ومن أصدق من الله قيلا - إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا .

وهؤلاء الذين عناهم الله بقوله : قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل .

ومن أمة الضلال بشهادة الله ورسوله عليهم ؟ وأمة اللعن بشهادتهم على نفوسهم يلعن بعضهم بعضا ، وقد لعنهم الله سبحانه وتعالى على لسان رسوله في قوله صلى الله عليه وسلم : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر ما فعلوه هذا والكتاب واحد ، والرب واحد ، والنبي واحد ، والدعوة واحدة ، كلهم يتمسك بالمسيح وإنجيله وتلاميذه ، ثم يختلفون فيه هذا الاختلاف المتباين : فمنهم من يقول : إنه الله ، ومنهم من يقول : ابن الله ، ومنهم من يقول : ثالث ثلاثة ، ومنهم من يقول : إنه عبد ، ومنهم من يقول : إنه أقنوم وطبيعة ، ومنهم من يقول : أقنومان وطبيعتان إلى غير ذلك من المقالات التي حكوها عن أسلافهم ، وكل منهم يكفر صاحبه .

[ ص: 575 ] فلو أن قوما لم يعرفوا لهم إلها ، ثم عرض عليهم دين النصرانية هكذا ، لتوقفوا عنه وامتنعوا من قبوله .

فوازن بين هذا وبين ما جاء به خاتم الرسل والأنبياء تعلم علما يضارع المحسوسات أو يزيد عليها : أن الدين عند الله الإسلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية