وفي زمنه كتب متى إنجيله بالعبرانية ، وفي زمانه صار مرقس والي الإسكندرية ، فدعا إلى الإيمان بالمسيح ، وهو بالإسكندرية ، وصير معه اثني عشر قسيسا على عدة نقباء بني إسرائيل في زمن أول شخص جعل بتركا موسى ، وأمرهم إذا مات البترك أن يختاروا من الاثني عشر واحدا يجعلونه مكانه ، ويضع الاثني عشر أيديهم على رأسه ويباركونه ، ثم يختارون رجلا فاضلا قسيسا يصيرونه تمام العدة . ولم يزل أمر القوم كذلك إلى زمان قسطنطين : ثم انقطع هذا الرسم فاصطلحوا على أن ينصبوا البترك من أي بلد كان من أولئك القسيسين ثم يسموه " بابا " ومعناه أبو [ ص: 542 ] الآباء ، وخرج مرقس إلى ( برقة ) يدعو الناس إلى دين المسيح ، ثم جاء ملك آخر فأهاج على أتباع المسيح الشر والبلاء ، وأخذهم بأنواع العذاب ، وفي عصره كتب بطرس رئيس الحواريين إنجيل مرقس عنه بالرومية ، ونسبه إلى مرقس . وفي عصره كتب لوقا إنجيله بالرومية لرجل شريف من عظماء الروم ، وكتب له الإفركسيس الذي فيه أخبار التلاميذ ، وفي زمنه صلب بطرس .
وزعموا أن بطرس قال له : إن أردت أن تصلبني فاصلبني منكسا ، لئلا أكون مثل سيدي المسيح فإنه صلب قائما .
وضرب عنق بولس بالسيف ، وأقام بطرس بعد صعود المسيح اثنين وعشرين سنة ، وأقام مرقس بالإسكندرية وبرقة سبع سنين يدعو الناس إلى الإيمان بالمسيح ، ثم قتل بالإسكندرية وأحرق جسده بالنار .
ثم استمرت القياصرة ملوك الروم على هذه السيرة إلى أن ملك قيصر يسمى طيطس فخرب بيت المقدس بعد المسيح بسبعين سنة بعد أن حاصرها ، وأصاب أهلها جوع عظيم ، وقتل من كان بها من ذكر وأنثى حتى كانوا يشقون بطون الحبالى [ ص: 543 ] ويضربون بأطفالهن الصخور ، وضرب المدينة وأضرم فيها نارا ، وأحصي القتلى فبلغوا ثلاثة آلاف ألف .
ثم ملك ملوك آخرون فكان منهم واحد شديدا على اليهود جدا ، فبلغه أن النصارى يقولون إن المسيح ملكهم وأن ملكه يدوم إلى آخر الدهر ، فاشتد غضبه وأمر بقتل النصارى ، وأن لا يبقى في مملكته نصراني .
وكان يوحنا صاحب الإنجيل هناك فهرب ، ثم أمر الملك بإكرامهم وترك الاعتراض عليهم .
ثم ملك بعده آخر فأثار على النصارى بلاء عظيما ، وقتل بترك أنطاكية ورومية ، وقتل أسقف بيت المقدس وصلبه ، وله يومئذ مائة وعشرون سنة ، وأمر باستعباد النصارى ، فاشتد عليهم البلاء إلى أن رحمتهم الروم ، وقال له وزراؤه : إن لهم دينا وشريعة ، وإنه لا يحل استعبادهم فكف عنهم .
وفي عصره كتب يوحنا إنجيله بالرومية ، وفي ذلك العصر رجع اليهود إلى بيت المقدس ، فلما كثروا وامتلأت بهم المدينة ، عزموا على أن يملكوا منهم ملكا ، فبلغ الخبر قيصر ، فوجه جيشا إليهم فقتل منهم ما لا يحصى ، ثم ملك بعده آخر فأخذ [ ص: 544 ] الناس بعبادة الأصنام ، وقتل من النصارى خلقا كثيرا ، ثم ملك بعده ابنه ، وفي زمانه قتل اليهود قتلا ذريعا ، وخرب بيت المقدس ، وهرب اليهود إلى مصر وإلى الشام والجبال والأغوار ، وتقطعوا في الأرض ، وأمر الملك أن لا يسكن المدينة يهودي ، وأن يقتل اليهود ويستأصلوا ، وأن يسكن المدينة اليونانيون . وامتلأت بيت المقدس من اليونانيين ، والنصارى ذمة الروم تحت أيديهم ، فرأوهم يأتون إلى مزبلة هناك فيصلون فيها ، فمنعوهم من ذلك ، وبنوا على المزبلة هيكلا باسم الزهرة ، فلم يمكن النصارى بعد ذلك قربان ذلك الموضع .