ذكر أهل السنة والجماعة في صفة العلو . أقوال التابعين - رحمهم الله تعالى - ومن بعدهم من
عن - رضي الله عنه - قال : قال الله - عز وجل - في التوراة : أنا الله [ ص: 180 ] فوق عبادي ، وفوق جميع خلقي ، وأنا على عرشي أدبر أمور عبادي ، ولا يخفى علي شيء في السماء ولا في الأرض . قال كعب الأحبار الذهبي : رواته ثقات . وعنه - رحمه الله - قال : إن الله - تعالى - خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ، ثم جعل بين كل سماءين كما بين السماء الدنيا والأرض ، وجعل كثفها مثل ذلك ، ثم رفع العرش فاستوى عليه . وذكر الأثر .
رواه أبو الشيخ في كتاب العظمة ، قال الذهبي : إسناده نظيف ، وأبو صالح لينوه ، وما هو بمتهم بل سيئ الإتقان .
وعن مسروق - رحمه الله تعالى - أنه كان إذا حدث عن عائشة - رضي الله عنهما - قال : حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة الله ، المبرأة من فوق سبع سماوات . قال الذهبي : إسناده صحيح .
ويروى عن - رحمه الله - أن عطاء بن يسار موسى - عليه السلام - قال : يا رب ، من أهلك الذين هم أهلك ، الذين تظلهم في ظل عرشك ؟ قال : هم الذين يأوون إلى مساجدي ، كما تأوي النسور إلى أوكارها . وعن قال : ينزل الرب - عز وجل - شطر الليل إلى سماء الدنيا ، فيقول : من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ حتى إذا كان الفجر صعد الرب عز وجل . أخرجه عبيد بن عمير في رده على عبد الله ابن الإمام أحمد الجهمية ، وعن شريح بن عبيد الله أنه كان يقول : ارتفع إليك ثغاء التسبيح ، وصعد إليك وقار التقديس ، سبحانك ذا الجبروت ، بيدك الملك والملكوت ، والمفاتيح والمقادير . إسناده صحيح .
وعن أبي قلابة - رحمه الله تعالى - قال : أهبط الله - تعالى - آدم . قال : يا آدم ، إني مهبط معك بيتا يطاف حوله كما يطاف حول عرشي ، ويصلى عنده كما يصلى عند [ ص: 181 ] عرشي . وذكر الأثر .
قال الذهبي : هو ثابت عن أبي قلابة . وعن عمرو بن ميمون قال : لما تعجل موسى إلى ربه ، رأى في ظل العرش رجلا يغبطه ، فسأل الله - تعالى - أن يخبره باسمه ، فقال : لا ، ولكني أحدثك بشيء من فعله ، كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ، ولا يعق والديه ، ولا يمشي بالنميمة . قال الذهبي : إسناده قوي .
وعن مجاهد - رحمه الله تعالى - قال : ما أخذت السماوات والأرض من العرش إلا كما تأخذ الحلقة من أرض الفلاة . وعنه - رحمه الله تعالى - في قوله عز وجل : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) قال : يجلسه أو يقعده على العرش . قال الذهبي : لهذا القول طرق خمسة . وأخرجه في تفسيره ، وعمل فيه ابن جرير المروزي مصنفا .
وعن نوف البكالي أن موسى - عليه السلام - لما سمع الكلام ، قال : من أنت الذي يكلمني ؟ قال : أنا ربك الأعلى . قال الذهبي : إسناده صحيح . وعنه قال : إني أجد في التوراة لو أن السماوات والأرض كن طبقا من حديد ، فقال رجل لا إله إلا الله ، لخرقتهن حتى تنتهي إلى الله عز وجل . رواه . حماد بن سلمة
وعن أبي عيسى يحيى بن رافع - رحمه الله تعالى - أن ملكا لما استوى الرب على كرسيه ، سجد ، فلا يرفع رأسه حتى تقوم الساعة ، فيقول : لم أعبدك حق عبادتك . وعن قتادة - رحمه الله تعالى - قال : [ ص: 182 ] قالت بنو إسرائيل : يا رب ، أنت في السماء ، ونحن في الأرض ، فكيف لنا أن نعرف رضاك وغضبك ؟ قال : إذا رضيت عنكم ، استعملت عليكم خياركم ، وإذا غضبت استعملت عليكم شراركم . قال الذهبي : هذا ثابت عن قتادة .
وعن عكرمة - رحمه الله تعالى - قال : بينما رجل في الجنة اشتهى الزرع ، فيقول للملائكة : ابذروا ، فيخرج أمثال الجبال ، فيقول الرب - عز وجل - من فوق عرشه : كل يا ابن آدم ، فإن ابن آدم لا يشبع . قال الذهبي : إسناده ليس بذاك .
وصح في السنة للالكائي ، عن قال : كان ثابت البناني داود - عليه السلام - يطيل الصلاة ، ثم يرفع رأسه إلى السماء ، ثم يقول : إليك رفعت رأسي نظر العبيد إلى أربابها ، يا ساكن السماء . وفي الحلية بإسناد صحيح ، عن أنه كان يقول : خذوا ، فيقرأ ثم يقول : اسمعوا إلى قول الصادق من فوق عرشه . وعن مالك بن دينار مجاهد في قوله تعالى : ( وقربناه نجيا ) قال : بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب ، فما زال يقرب موسى حتى كان بينه وبينه حجاب ، فلما رأى مكانه وسمع صريف القلم ، قال : رب أرني أنظر إليك . هذا ثابت عن مجاهد إمام التفسير ، أخرجه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات .
وعن سفيان قال : كنت عند ، فسأله رجل فقال : ( ربيعة بن أبي عبد الرحمن الرحمن على العرش استوى ) ، كيف استوى ؟ فقال : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، ومن الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التصديق .
وعن قال : حملة [ ص: 183 ] العرش أقدامهم ثابتة في الأرض السابعة ، ورءوسهم قد جاوزت السماء السابعة ، وقرونهم مثل طولهم ، عليها العرش . وذكر حسان بن عطية أيوب السختياني المعتزلة ، وقال : إنما مدار القوم على أن يقولوا : ليس في السماء شيء . قال الذهبي : هذا إسناد كالشمس وضوحا ، وكالإسطوانة ثبوتا عن سيد أهل البصرة وعالمهم رحمه الله تعالى .
وقرأ ابن محيصين رفيق ابن كثير بمكة ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) ، وعن الضحاك في قوله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ) قال : هو على عرشه ، وعلمه معهم أينما كانوا . وفي لفظ : هو فوق العرش ، وعلمه معهم أينما كانوا . أخرجه العسال ، وابن بطة بإسناد جيد . وابن عبد البر
وعن - رحمه الله تعالى - قال : لو سئلت أين الله ؟ لقلت : في السماء . وعن سليمان التيمي حبيب بن أبي حبيب قال : شهدت ، وخطبهم خالد بن عبد الله القسري بواسط ، فقال : أيها الناس ، ضحوا تقبل الله ضحاياكم ، فإني مضح ، فإنه زعم أن الله لم يتخذ بالجعد بن درهم إبراهيم خليلا ، ولم يكلم موسى تكليما ، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ، ثم نزل فذبحه .
[ ص: 184 ] قال الذهبي : والمعتزلة تقول هذا ، وتحرف نص التنزيل في ذلك ، وزعموا أن الرب منزه عن ذلك . وقال - رحمه الله - في التمهيد : وعلماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل ، قالوا في تأويل قوله تعالى : ( أبو عمر بن عبد البر ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ) : هو على العرش ، وعلمه في كل مكان ، وما خالفهم أحد في ذلك يحتج به .