[ ص: 144 ] ، ( علو قهر ) فلا مغالب له ولا منازع ، بل كل شيء تحت سلطان قهره ، ( ( العلي ) فكل معاني العلو ثابتة له قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار ) ، ( ص : 65 ) . ( لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار ) ، ( الزمر : 4 ) ، وقد جمع الله - تعالى - بين علو الذات والقهر في قوله تعالى : ( وهو القاهر فوق عباده ) ، ( الأنعام : 18 ) ، أي وهو الذي قهر كل شيء ، وخضع لجلاله كل شيء ، وذل لعظمته وكبريائه كل شيء ، وعلا بذاته على عرشه فوق كل شيء .
( وعلو الشأن ) فتعالى عن جميع النقائص والعيوب المنافية لإلهيته وربوبيته وأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، تعالى في أحديته عن الشريك والظهير والولي والنصير ، وتعالى في عظمته وكبريائه وجبروته عن الشفيع عنده بدون إذنه والمجير ، وتعالى في صمديته عن الصاحبة والولد والوالد والكفؤ والنظير ، وتعالى في كمال حياته وقيوميته وقدرته عن الموت والسنة والنوم والتعب والإعياء ، وتعالى في كمال علمه عن الغفلة والنسيان ، وعن عزوب مثقال ذرة عن علمه في الأرض أو في السماء ، وتعالى في كمال حكمته وحمده عن الخلق عبثا ، وعن ترك الخلق سدى بلا أمر ولا نهي ولا بعث ولا جزاء ، وتعالى في كمال عدله على أن يظلم أحدا مثقال ذرة ، أو أن يهضمه شيئا من حسناته ، وتعالى في كمال غناه عن أن يطعم أو يرزق ، أو أن يفتقر إلى غيره في شيء ، وتعالى في صفات كماله ونعوت جلاله عن التعطيل والتمثيل ، قال الله تعالى : ( وما من إله إلا الله ) ، وقال تعالى : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ، ( محمد : 19 ) ، وقال تعالى : ( قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ) ، ( الأحقاف : 4 ) ، وقال : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما ) ، ( الأنبياء : 22 ) ، وقال تعالى : ( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ) ، ( سبأ : 22 ) ، وقال تعالى : ( ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل ) ، ( الإسراء : 111 ) ، وقال تعالى : ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) [ ص: 145 ] ( سورة الإخلاص ) ، وقال تعالى : ( وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) ، ( الجن : 3 ) ، وقال تعالى : ( رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ) ، ( مريم : 65 ) ، وقال تعالى : ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) ، ( الأنبياء : 28 ) ، وقال تعالى : ( ما من شفيع إلا من بعد إذنه ) ، ( يونس : 3 ) وقال تعالى : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) ، ( البقرة : 254 ) ، وقال تعالى : ( شيء وهو يجير ولا يجار عليه ) ، ( المؤمنون : 88 ) ، وقال تعالى : ( وتوكل على الحي الذي لا يموت ) ، ( الفرقان : 58 ) ، وقال تعالى : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ) ، ( البقرة : 254 ) ، وقال تعالى : ( ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ) ، ( ق : 38 ) ، وقال تعالى : ( أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد ) ، ( ق : 15 ) ، وقال تعالى : ( أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ) ، ( الأحقاف : 33 ) ، وقال تعالى : ( وما الله بغافل عما تعملون ) ، وقال تعالى : ( وما كنا عن الخلق غافلين ) ، ( المؤمنون : 17 ) ، وقال تعالى : ( وما كان ربك نسيا ) ، وقال - تعالى - عن موسى لما قال له فرعون : ( فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ) ، ( طه : 51 - 52 ) ، وقال تعالى : ( عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ) ، ( سبأ : 3 ) ، وقال تعالى : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا ) ، ( ص : 27 ) ، وقال تعالى : ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون ) ، ( الدخان : 38 - 39 ) ، وقال تعالى : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) ، ( المؤمنون : 115 ) ، وقال تعالى : ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) ، ( القيامة : 36 ) ، وقال تعالى : ( ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) ، ( الكهف : 49 ) ، وقال تعالى : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ) ، ( النساء : 40 ) ، وقال تعالى : ( وما ربك بظلام للعبيد ) ، وقال تعالى : [ ص: 146 ] ( ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ) ، ( طه : 112 ) ، وقال تعالى : ( قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم ) ، ( الأنعام : 14 ) ، وقال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) ، ( الذاريات : 56 - 58 ) ، وقال تعالى : ( ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ) ، ( فاطر : 15 ) ، وقال تعالى : ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما ) ، ( طه : 11 ) ، وقال تعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ، ( الشورى : 110 ) .
والآيات في هذا الباب كثيرة جدا ، وهذان المعنيان من العلو لم يخالف فيهما أحد ممن يدعي الإسلام وينتسب إليه ، وإنما ضل من ضل منهم ، وأخطأ في التنزيه الذي هو مقصوده ، حيث لم يسلك الطريق الموصلة إليه ، وأحسن الظن بنفسه وعقله ومتبوعه ، وأساءه بالكتاب والسنة ، وكثير منهم اغتر بقول كان مقصود قائله الزيغ والفساد والكفران ، فحسب - لإحسان الظن به - أن مقصوده التحقيق والإيمان والعرفان ، واتبعوا السبل المضلة ، فتفرقت بهم عن صراط الرحمن ، فمنهم من نزهه - تعالى - عن فوقيته على عرشه بائنا من خلقه ، ووقع في أعظم من ذلك حيث اعتقد أنه في كل مكان ، ولم ينزهه حتى عن الأماكن الخسيسة ، ومنهم من نزهه عن العلو والفوقية ، وجعله هو الوجود بأسره ، ومنهم من نزهه عن وجود ذاته ، ووصفه بالعدم المحض ، ومنهم من نزهه عن أفعاله ومشيئته فرارا من وصفه بالظلم ، ووقع في تعطيله عن قدرته ونسبته إلى العجز ، وغلا بعضهم في ذلك حتى أنكر علمه السابق ، ووصفه بضده ، ومنهم من غلا في مسألة القدر وإثباته ، وخاصم به الأمر والنهي فرارا مما وقع فيه الأولون ، ووقع في أعظم ذلك تعطيل الشريعة ، ونسبته - تعالى - إلى الظلم وإلى تكليف عباده ما لا يطاق ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، ففروا من الهدى إلى الضلالة ، ومن الرشد إلى الغي ، ومن الإسلام إلى الكفر ، ومن السنة إلى البدعة ، ومن النور إلى الظلمات ، وضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، وهدى الله الذين آمنوا لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، فجعلوا [ ص: 147 ] إمامهم وقدوتهم الكتاب والسنة ، وساروا معهما حيث سارا ، ووقفوا حيث وقفا ، فأثبتوا لله ما أثبته لنفسه ، وأثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الأسماء الحسنى والصفات العلا ، وآمنوا بالقدر خيره وشره ، وتلقوه بالرضا والتسليم ، وانقادوا للشريعة فقابلوا أوامرها ونواهيها بالامتثال والتعظيم ، فما أثبت الله لنفسه أثبتوه ، وما نفاه عن نفسه نفوه ، فإذا سمعوا آيات الصفات وأحاديثها ، قالوا : آمنا به كل من عند ربنا ، وإن أحسنوا ، قالوا : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وإن أساءوا ، قالوا : ربنا ظلمنا أنفسنا ، وإن لم تغفر لنا وترحمنا ، لنكونن من الخاسرين ، وإذا أصابتهم مصيبة ، قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون .