الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      تفسير قوله تعالى : ( وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) .

      وقوله تعالى : ( وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) ، ( الأعراف : 180 ) ، قال ابن عباس ، وابن جريج ، ومجاهد : هم المشركون ، عدلوا بأسماء الله - تعالى - عما هي عليه ، فسموا بها أوثانهم فزادوا ونقصوا ، فاشتقوا اللات من الله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان ، وقيل هي تسميتهم الأصنام آلهة . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما : يلحدون في أسمائه ، أي يكذبون . وقال قتادة : يلحدون يشركون في أسمائه . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الإلحاد التكذيب ، وأصل الإلحاد في كلام العرب العدول عن القصد ، والميل والجور والانحراف ، ومنه اللحد في القبر ; لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمة الحفر ا هـ . وهذه الأقوال متقاربة ، والإلحاد يعمها ، وهو ثلاثة أقسام :

      الأول : إلحاد المشركين ، وهو ما ذكره ابن عباس ، وابن جريج ، ومجاهد من عدولهم بأسماء الله - تعالى - عما هي عليه ، وتسميتهم أوثانهم بها مضاهاة لله - عز وجل - ومشاقة له وللرسول - صلى الله عليه وسلم .

      الثاني : إلحاد المشبهة الذين يكيفون صفات الله - عز وجل - ويشبهونها بصفات خلقه مضادة له - تعالى - وردا لقوله عز وجل : ( ليس كمثله شيء ولا يحيطون به علما ) ، وهو مقابل لإلحاد المشركين ، فأولئك جعلوا المخلوق بمنزلة الخالق ، وسووه به ، وهؤلاء جعلوا الخالق بمنزلة الأجسام المخلوقة ، وشبهوه بها - تعالى - وتقدس عن إفكهم .

      [ ص: 129 ] الثالث : إلحاد النفاة ، وهم قسمان : قسم أثبتوا ألفاظ أسمائه - تعالى - دون ما تضمنته من صفات الكمال ، فقالوا : رحمن رحيم بلا رحمة ، عليم بلا علم ، حكيم بلا حكمة ، قدير بلا قدرة ، سميع بلا سمع ، بصير بلا بصر ، واطردوا بقية الأسماء الحسنى هكذا ، وعطلوها عن معانيها وما تقتضيه وتتضمنه من صفات الكمال لله - تعالى - وهم في الحقيقة كمن بعدهم ، وإنما أثبتوا الألفاظ دون المعاني تسترا ، وهو لا ينفعهم .

      وقسم لم يتستروا بما تستر به إخوانهم ، بل صرحوا بنفي الأسماء ، وما تدل عليه من المعاني ، واستراحوا من تكلف أولئك ، وصفوا الله - تعالى - بالعدم المحض الذي لا اسم له ولا صفة ، وهم في الحقيقة جاحدون لوجود ذاته - تعالى - مكذبون بالكتاب وبما أرسل الله به رسله .

      وكل هذه الأربعة الأقسام كل فريق منهم يكفر مقابله ، وهم كما قالوا كلهم كفار بشهادة الله وملائكته وكتبه ورسله والناس أجمعين من أهل الإيمان والإثبات ، الواقفين مع كلام الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه أجمعين .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية