الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      ( فصل ) : والخامس التقدير اليومي ، وهو سوق المقادير إلى المواقيت التي قدرت لها فيما سبق ، قال الله - تبارك وتعالى : ( يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ) ، ( الرحمن 29 ) ، وروى ابن جرير - رحمه الله تعالى - عن منيب بن عبد الله بن منيب الأزدي ، عن أبيه قال : تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية ( كل يوم هو في شأن ) ، ( الرحمن 29 ) ، فقلنا : يا رسول الله ، وما ذاك الشأن ؟ قال : أن يغفر ذنبا [ ص: 938 ] ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين .

      وروى ابن أبي حاتم ، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله - عز وجل : ( كل يوم هو في شأن ) ، ( الرحمن 29 ) ، قال من شأنه أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع مقاما ، ويضع آخرين . وعلقه البخاري موقوفا .

      وروى البزار ، عن ابن عمر - رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم : ( كل يوم هو في شأن ) ، ( الرحمن 29 ) قال : يغفر ذنبا ويكشف كربا .

      وله هو وابن جرير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما : إن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء ، دفتاه ياقوتة حمراء ، قلمه نور ، وكتابه نور ، وعرضه ما بين السماء والأرض ، ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ، يخلق في كل نظرة ، ويحيي ويميت ويعز ويذل ، ويفعل ما يشاء . وروى ابن أبي حاتم ، عن سويد بن جبلة الفزاري قال : إن ربكم كل يوم هو في شأن ، فيعتق رقابا ، ويعطي رغابا ، ويقحم عقابا . وقال الأعمش ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير : ( كل يوم هو في شأن ) [ ص: 939 ] ( الرحمن 29 ) قال : من شأنه أن يجيب داعيا ، أو يعطي سائلا ، أو يفك عانيا ، أو يشفي سقيما . وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : كل يوم هو يجيب داعيا ويكشف كربا ، ويجيب مضطرا ويغفر ذنبا . وقال قتادة : لا يستغني عنه أهل السماوات والأرض ، يحيي حيا ويميت ميتا ، ويربي صغيرا ويفك أسيرا ، وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم ومنتهى شكواهم ، وقال الحسين بن فضل : هو سوق المقادير إلى المواقيت . وقال أبو سليمان الداراني في هذه الآية : كل يوم له إلى العبيد بر جديد .

      وذكر البغوي - رحمه الله تعالى - قول المفسرين : من شأنه أن يحيي ويميت ، ويخلق ويرزق ، ويعز قوما ويذل قوما ، ويشفي مريضا ويفك عانيا ، ويفرج مكروبا ويجيب داعيا ، ويعطي سائلا ، ويغفر ذنبا إلى ما لا يحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء . وجملة القول في ذلك أن التقدير اليومي هو تأويل المقدور على العبد وإنفاذه فيه ، في الوقت الذي سبق أنه يناله فيه ، لا يتقدمه ولا يتأخره ، كما أن في الآخرة يأتي تأويل الجزاء الموعود إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، و لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون ، ولهذا قال سفيان بن عيينة فيما ذكره عنه البغوي - رحمه الله تعالى : الدهر كله عند الله يومان : أحدهما مدة أيام الدنيا ، والآخر يوم القيامة ، فالشأن الذي هو فيه اليوم الذي هو مدة الدنيا الاختبار بالأمر والنهي ، والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع - يعني : وغير ذلك ، وشأن يوم القيامة الجزاء والحساب والثواب والعقاب اه .

      ثم هذا التقدير اليومي تفصيل من التقدير الحولي ، والحولي تفصيل من التقدير العمري عند تخليق النطفة ، والعمري تفصيل من التقدير العمري الأول يوم الميثاق ، وهو تفضيل من التقدير الأزلي الذي خطه القلم في الإمام المبين ، والإمام المبين هو من علم الله - عز وجل ، وكذلك منتهى المقادير في آخريتها إلى [ ص: 940 ] علم الله - عز وجل ، فانتهت الأوائل إلى أوليته ، وانتهت الأواخر إلى آخريته ( وأن إلى ربك المنتهى ) ، ( النجم 42 ) .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية