والوزن بالقسط فلا ظلم ولا يؤخذ عبد بسوى ما عملا فبين ناج راجح ميزانه
ومقرف أوبقه عدوانه
( والوزن ) لأعمال العباد ( بالقسط ) العدل ( فلا ظلم ) على أحد يومئذ ؛ لأن الحاكم فيه هو العدل الحكيم الذي حرم الظلم على نفسه وجعله على عباده محرما فلا يهضم أحد من حسناته . ( ولا يؤخذ عبد بسوى ما عملا ) الألف للإطلاق ، قال الله تعالى : ( فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ) ( يس : 54 ) وقال تعالى : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) ( الأنبياء : 47 ) وقال تعالى عن لقمان : ( يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير ) ( لقمان : 16 ) وقال تعالى : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ) ( النساء : 40 ) .
( فبين ناج راجح ميزانه إلخ ) قال الله تعالى : ( والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون ) ( الأعراف : 9 ) وقال تعالى : ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ) ( المؤمنون : 102 ) الآيات .
[ ص: 845 ] وقال تعالى " ( فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية ) ( القارعة : 6 - 11 ) وقال تعالى : ( أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) ( الكهف : 105 ) .
وفي الترمذي عن النضر بن أنس بن مالك عن أبيه قال : " هذا حديث حسن غريب . سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال : " أنا فاعل - يعني إن شاء الله - قلت : يا رسول الله ، فأين أطلبك قال : اطلبني أول ما تطلبني على الصراط . قلت : فإن لم ألقك على الصراط ؟ قال : فاطلبني عند الميزان . قلت : فإن لم ألقك عند الميزان ؟ قال : فاطلبني عند الحوض ، فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن
وفي سنن أبي داود وغيره حديث عائشة المتقدم وفيه : " " الحديث . وعند الميزان حتى يثقل أو يخف
والقول في على ثلاثة أوجه : الأول : أنه الأعمال نفسها هي التي توزن ، وأن أفعال العباد تجسم فتوضع في الميزان . الموزون
ويدل لذلك حديث رضي الله عنه في الصحيح قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبي هريرة " . كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم
وفي الصحيح عن قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أبي أمامة الباهلي " قال اقرأوا [ ص: 846 ] القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه . اقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان ، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما ، اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة معاوية : بلغني أن البطلة السحرة . ومعاوية هو ابن سلام .
وفيه عن النواس بن سمعان الكلابي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " " . وقال يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به ، تقدمه سورة البقرة وآل عمران " وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد ، قال : كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق ، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما الترمذي رحمه الله تعالى : معنى هذا الحديث عند أهل العلم أنه يجيء ثواب قراءة القرآن . وفي حديث النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما فسروا إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم : " " ففي هذا دلالة أنه يجيء ثواب العمل اهـ . وأهله الذين يعملون به في الدنيا
قلت : ولا مانع من كون الآتي هو العمل نفسه كما هو ظاهر الحديث فأما أن يقال إن الآتي هو كلام الله نفسه فحاشا وكلا ومعاذ الله ؛ لأن كلامه تعالى صفته ليس بمخلوق والذي يوضع في الميزان هو فعل العبد وعمله ( والله خلقكم وما تعملون ) ( الصافات : 96 ) وروى الإمام أحمد عن عن أبيه قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : " عبد الله بن بريدة " . تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة " قال ثم سكت ساعة ثم قال : " تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان [ ص: 847 ] من طير صواف ، وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول له : هل تعرفني ؟ فيقول ما أعرفك . فيقول : أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت مقلتك ، وإن كل تاجر من وراء تجارتك وإنك اليوم من وراء كل تجارة فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج من الوقار ويكسى والداه حلتان لا يقوم لهما أهل الدنيا فيقولان : بما كسينا هذا ؟ فيقال بأخذ ولدكما القرآن ، ثم يقال اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها فهو في صعود ما دام يقرأ هذا كان أو ترتيلا
وإسناده حسن والقول بأن الأعمال هي ذاتها التي توزن ذكره البغوي عن رضي الله عنه . ابن عباس
والقول الثاني : أن صحائف الأعمال هي التي توزن .
ويدل لذلك ما روى الإمام أحمد عن رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عبد الله بن عمرو بن العاص " ورواه إن الله عز وجل يستخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر ثم يقول : أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ قال : لا يا رب . قال : أفلك عذر أو حسنة ؟ قال : فبهت الرجل فيقول لا يا رب ، فيقول : بلى إن لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم عليك اليوم . فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فيقول أحضروه ، فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول إنك لا تظلم ، قال فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة ، قال فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ، قال ولا يثقل شيء مع بسم الله الرحمن الرحيم الترمذي وقال وابن ماجه الترمذي حسن غريب .
[ ص: 848 ] والثالث : أن الموزون ثواب العمل وهو اطراد ما نقله الترمذي في معنى حديث النواس .
الرابع : أن الموزون هو العامل نفسه .
ويدل لذلك ما روى أحمد بن علي رضي الله عنه رضي الله عنه صعد شجرة يجتني الكباث ، فجعل الناس يعجبون من دقة ساقيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده هما في الميزان أثقل من أحد ابن مسعود " . أن
وروى في صحيحه عن البخاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة ( فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) ( الكهف : 105 ) . " إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة " وقال اقرأوا : عنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولابن أبي حاتم يؤتى بالرجل الأكول الشروب العظيم فيوزن بحبة فلا يزنها " قال وقرأ : ( فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) ( الكهف 105 ) رواه . ابن جرير
وروى البزار عن عن أبيه قال : عبد الله بن بريدة كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رجل من قريش يخطر في حلة له ، فلما قام على النبي قال : " يا بريدة ، هذا ممن لا يقيم الله له يوم القيامة وزنا " .
قلت : والذي استظهر من النصوص - والله أعلم - أن العامل وعمله وصحيفة [ ص: 849 ] عمله كل ذلك يوزن ؛ لأن الأحاديث التي في بيان القرآن قد وردت بكل من ذلك ولا منافاة بينها ، ويدل لذلك ما رواه أحمد رحمه الله تعالى عن في قصة صاحب البطاقة بلفظ : قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عبد الله بن عمرو " فهذا الحديث يدل على أن العبد يوضع هو وحسناته وصحيفتها في كفة وسيئاته مع صحيفتها في الكفة الأخرى وهذا غاية الجمع بين ما تفرق ذكره في سائر أحاديث الوزن ، ولله الحمد والمنة . توضع الموازين يوم القيامة فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة ويوضع ما أحصي عليه فيمايل به الميزان ، قال فيبعث به إلى النار . قال فإذا أدبر إذا صائح من عند الرحمن عز وجل يقول لا تعجلوا فإنه قد بقي له ، فيؤتى ببطاقة فيه لا إله إلا الله فتوضع مع الرجل في كفة حتى يميل به الميزان
وروى أحمد عن عائشة رضي الله عنها ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) ( الأنبياء : 47 ) فقال الرجل : يا رسول الله ، ما أجد شيئا خيرا من فراق هؤلاء - يعني عبيده - إني أشهدك أنهم أحرار كلهم " . أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس بين يديه فقال : يا رسول الله ، إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم ، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا لك ولا عليك ، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك ، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل الذي بقي قبلك " فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهتف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما له لا يقرأ كتاب الله : (