الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      الإيمان بالكتب المنزلة ( و ) الثالث الإيمان ( بكتبه المنزلة ) على رسله ( المطهرة ) من الكذب والزور ومن كل باطل ومن كل ما لا يليق بها ، قال الله تعالى : [ ص: 672 ] ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) ( البقرة : 136 ) وقال تعالى : ( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل ) ( آل عمران : 84 ) إلى آخر الآية .

      وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا ) ( النساء : 136 ) وقال تعالى : ( وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم ) ( الشورى : 15 ) وقال تعالى : ( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا ) ( التغابن : 8 ) وقال تعالى : ( الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون ) ( غافر : 70 ) الآيات . وقال تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) ( الحديد : 25 ) .

      ومعنى الإيمان بالكتب التصديق الجازم بأن كلها منزل من عند الله عز وجل على رسله إلى عباده بالحق المبين والهدى المستبين وأنها كلام الله عز وجل لا كلام غيره ، وأن الله تعالى تكلم بها حقيقة كما شاء وعلى الوجه الذي أراد ، فمنها المسموع منه من وراء حجاب بدون واسطة ، ومنها ما يسمعه الرسول الملكي ويأمره بتبليغه منه إلى الرسول البشري كما قال تعالى : ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم ) ( الشورى : 51 ) وقال تعالى : ( وكلم الله موسى تكليما ) ( النساء : 164 ) ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ) ( الأعراف : 143 ) ( يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ) ( الأعراف : 144 ) ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) ( النجم : 10 ) وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) ( الشورى : 52 ) ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ) ( النحل : 2 ) ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ) ومنها ما خطه بيده عز وجل [ ص: 673 ] كما قال تعالى : ( وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ) ( الأعراف : 145 ) والإيمان بكل ما فيها من الشرائع وأنه كان واجبا على الأمم الذين نزلت إليهم الصحف الأولى الانقياد لها والحكم بما فيها كما قال تعالى : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) إلى قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) ( المائدة 44 - 49 ) .

      وإن جميعها يصدق بعضها بعضا لا يكذبه كما قال تعالى في الإنجيل : ( مصدقا لما بين يديه من التوراة ) ( المائدة : 48 ) . وقال في القرآن : ( مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ) ( المائدة : 48 ) .

      وإن كل من كذب بشيء منها أو أبى عن الانقياد لها مع تعلق خطابه به يكفر بذلك كما قال تعالى : ( إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ( الأعراف : 40 ) .

      وأن نسخ الكتب الأولى بعضها ببعض حق كما نسخ بعض شرائع التوراة [ ص: 674 ] بالإنجيل قال الله تعالى في عيسى عليه : ( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم ) إلى قوله : ( ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون ) ( آل عمران : 48 - 50 ) وكما نسخ كثير من شرائع التوراة والإنجيل والقرآن كما قال تعالى : ( عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) ( الأعراف : 156 - 158 ) الآية .

      وأن نسخ القرآن بعض آياته ببعض حق كما قال تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) ( البقرة : 106 ) وقال تعالى : ( وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون ) ( النحل : 101 ) الآيات . وكما قال تعالى : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله ) ( الأنفال : 66 ) بعد قوله : ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا ) ( الأنفال : 65 ) والناسخ والمنسوخ آيات مشهورات مذكورات في مواضعها من كتب التفسير وغيرها .

      وأنه لا يأتي كتاب بعده ولا مغير ولا مبدل لشيء من شرائعه بعده ، وأنه ليس لأحد الخروج عن شيء من أحكامه ، وأن من كذب بشيء منه من الأمم الأولى [ ص: 675 ] فقد كذب بكتابه ، كما أن من كذب بما أخبر عنه القرآن من الكتب فقد كذب به ، وأن من اتبع غير سبيله ولم يقتف أثره ضل ، قال تعالى : ( المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ) ( الأعراف : 1 - 3 ) .

      ثم الإيمان بكتب الله عز وجل يجب إجمالا فيما أجمل وتفصيلا فيما فصل ، فقد سمى الله تعالى من كتبه التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود في قوله تعالى : ( وآتينا داود زبورا ) ( النساء : 163 ) والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ، وذكر صحف إبراهيم وموسى ، وقد أخبر تعالى عن التنزيل على رسله مجملا في قوله : ( والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ) ( النساء : 136 ) وقال تعالى : ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ) إلى قوله : ( وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ) ( البقرة : 136 ) وقال تعالى : ( وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ) ( الشورى : 15 ) فنقول كما أمرنا ربنا عز وجل : آمنا بما أنزل الله من كتاب وما أرسل من رسول . وقال تعالى في القرآن والسنة : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ( الحشر : 7 ) ( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) ( آل عمران : 7 ) .

      فلا بد في الإيمان به من امتثال أوامره واجتناب مناهيه ، وتحليل حلاله وتحريم حرامه والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بقصصه والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه والوقوف عند حدوده وتلاوته آناء الليل والنهار والذب عنه لتحريف الغالين وانتحال البطلين والنصيحة له ظاهرا وباطنا بجميع معانيها ، نسأل الله تعالى أن يرزقنا كل ذلك ويوفقنا له ويعيننا عليه ويثبتنا به وجميع إخواننا المسلمين إنه ولي التوفيق .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية