الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      [ ص: 613 ] أركان الإسلام الخمسة


      فقد أتى الإسلام مبنيا على خمس فحقق وادر ما قد نقلا     أولها الركن الأساس الأعظم
      وهو الصراط المستقيم الأقوم     ركن الشهادتين فاثبت واعتصم
      بالعروة الوثقى التي لا تنفصم     وثانيا إقامة الصلاة
      وثالثا تأدية الزكاة     والرابع الصيام فاسمع واتبع
      والخامس الحج على من يستطيع

      وهذه أركان المرتبة الأولى مرتبة الإسلام ، وهي على قسمين : قولية ، وعملية .

      فالقولية : الشهادتان ، والعملية : الباقي . وهي ثلاثة أقسام :

      بدنية وهي الصلاة والصوم ، ومالية وهي الزكاة ، وبدنية مالية وهو الحج .

      وقول القلب وعمله شرط في ذلك كله كما تقدم .

      والنصوص في هذه الأمور الخمسة كثيرة جدا ، وهي على نوعين : قسم شامل لجميعها ، وقسم يخص كل خصلة منها .

      فلنبدأ بالقسم الأول ما تيسر منه على حدته ، والقسم الثاني مع حل ألفاظ المتن إن شاء الله تعالى . فمن ذلك حديث جبريل السابق ذكره عن الجم الغفير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ، ومنها حديث وفد عبد القيس وقد تقدم أيضا ، ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين وغيرهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم [ ص: 614 ] رمضان " فقال له رجل : والجهاد في سبيل الله ؟ فقال ابن عمر : الجهاد حسن . هكذا حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

      ومنها حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه عند أحمد وغيره قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان " وإسناده صحيح .

      ومن ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع ، فجاء رجل من أهل البادية فقال : يا محمد ، أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله تعالى أرسلك . قال صلى الله عليه وسلم صدق : قال : فمن خلق السماء ؟ قال : الله . قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : الله . قال : فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل ؟ قال : الله . قال : فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال ، آلله أرسلك ؟ قال صلى الله عليه وسلم : نعم . قال : فزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا . قال صلى الله عليه وسلم : صدق . قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قال : وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا . قال صلى الله عليه وسلم : نعم صدق . قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : نعم . قال : وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا . قال صلى الله عليه وسلم : صدق . قال ثم ولى فقال : والذي بعثك بالحق نبيا لا أزيد عليهن شيئا ولا أنقص منهن شيئا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لئن صدق ليدخلن الجنة " . رواه الجماعة وهذا لفظ أحمد . وفي رواية قال : " أمنت بما جئت به ، وأنا رسول من ورائي من قومي " . قال : " وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعيد بن بكر " .

      [ ص: 615 ] وفي الصحيحين وغيرهما عن طلحة بن عبيد الله " أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال : يا رسول الله ، أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة ؟ فقال : الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا . فقال : أخبرني ما فرض الله علي من الصيام ؟ فقال : شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا . فقال : أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة ؟ قال فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام . قال : والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلح إن صدق . أو : دخل الجنة إن صدق " . هذا لفظ البخاري في كتاب الصوم . وله عن أبي أيوب رضي الله عنه " أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرني بعمل يدخلني الجنة ؟ قال : ما له ما له ؟ " .

      وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أرب ما له ، تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم " ورواه مسلم وغيره .

      ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه : " أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة ؟ قال : تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان . قال : والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا . فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا " .

      وفي حديث ابن المنتفق رضي الله عنه في وفادته على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قلت ثنتان أسألك عنهما : ما ينجيني من النار وما يدخلني الجنة ؟ قال : فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء ثم نكس رأسه ثم أقبل علي بوجهه قال : لئن كنت أوجزت في المسألة لقد أعظمت وأطولت ، فاعقل عني إذا ، اعبد الله لا تشرك به [ ص: 616 ] شيئا وأقم الصلاة وأد الزكاة المفروضة وصم رمضان ، وما تحب أن يفعله بك الناس فافعل بهم وما تكره أن يأتي إليك الناس فذر الناس منه " رواه أحمد . وفي رواية : " لئن كنت قصرت في الخطبة لقد أبلغت في المسألة ، اتق الله لا تشرك بالله شيئا ، وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة وتحج البيت وتصوم رمضان " .

      ولعل ابن المنتفق هذا هو الرجل المبهم في رواية أبي أيوب المتقدمة في الصحيح ، فإن في مسلم أن ذلك الرجل أخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بزمامها ، وفي آخرها قول النبي صلى الله عليه وسلم : " دع الناقة " بعد أن علمه . وابن المنتفق قال : فأخذت بخطام راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو قال : زمامها ، وفي آخره قال صلى الله عليه وسلم : " خل سبيل الراحلة " وفي الرواية الأخرى : " خل طريق الركاب " فيشبه أن يكون هو صاحب القصة ، وقد حفظ الصوم والحج زيادة على ما في حديث أبي أيوب ورجاله رجال الصحيح ، وهو السائل ، أعلم بجواب النبي صلى الله عليه وسلم وأوعى له وأحفظ له وأضبط من غيره . والله أعلم .

      وعن ربعي بن حراش عن رجل من بني عامر رضي الله عنه أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ألج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه : اخرجي إليه فإنه لا يحسن الاستئذان فقولي له فليقل السلام عليكم ، أأدخل ؟ قال : فسمعته يقول ذلك فقلت : السلام عليكم ، أأدخل ؟ قال فأذن لي أو قال فدخلت فقلت : بم أتيتنا به ؟ قال : لم آتكم إلا بخير ، أتيتكم بأن تعبدوا الله وحده لا شريك له . قال شعبة : وأحسبه قال وحده لا شريك له ، وأن تدعوا اللات والعزى ، وأن تصلوا بالليل والنهار خمس صلوات ، وأن تصوموا من السنة شهرا ، وأن تحجوا البيت ، وأن تأخذوا من مال أغنيائكم فتردوها على فقرائكم . قال فقال : فهل بقي من العلم شيء لا تعلمته ؟ قال قد علمني الله عز وجل خيرا ، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل : [ ص: 617 ] ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) " ( لقمان : 34 ) رواه أحمد ورجاله ثقات أئمة . وروى أبو داود طرفا منه .

      وعن السدوسي بن الخصاصية رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه فاشترط علي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن أقيم الصلاة ، وأن أؤدي الزكاة ، وأن أحج حجة الإسلام ، وأن أصوم شهر رمضان ، وأن أجاهد في سبيل الله . فقلت : يا رسول الله ، أما اثنتان فوالله ما أطيقهما : الجهاد والصدقة ، فإنهم زعموا أن من ولى الدبر فقد باء بغضب من الله ، فأخاف إن حضرت تلك جشعت نفسي وكرهت الموت ، والصدقة فوالله مالي إلا غنيمة وعشر ذود هن رسل أهلي وحمولتهم . قال فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حرك يده ثم قال : فلا جهاد ولا صدقة فلم تدخل الجنة إذا ؟ قال قلت : يا رسول الله ، أنا أبايعك ، قال فبايعت عليهن كلهن " .

      وعن زياد بن نعيم الحضرمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع فرضهن الله في الإسلام ، فمن جاء بثلاث لم يغنين عنه شيئا حتى يأتي بهن جميعا : الصلاة والزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت " رواه أحمد مرسلا في الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة لا يخفى .

      وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما برزنا من المدينة إذا راكب يوضع نحونا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كأن هذا الراكب إياكم يريد " قال فانتهى الرجل إلينا فسلم فرددنا عليه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " من أين أقبلت ؟ قال : من أهلي وولدي وعشيرتي . قال : فأين تريد ؟ قال : أريد [ ص: 618 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : " فقد أصبته " قال : يا رسول الله علمني ما الإيمان ؟ قال : " تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت " . قال : قد أقررت . قال ثم إن بعيره دخلت يده في شبكة جرذان فهوى بعيره وهوى الرجل فوقع على هامته فمات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علي بالرجل " فوثب إليه عمار بن ياسر وحذيفة فأقعداه فقالا : يا رسول الله ، قبض الرجل . قال فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما رأيتما إعراضي عن الرجل ، فإني رأيت ملكين يدسان في فيه من ثمار الجنة فعلمت أنه مات جائعا " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا والله من الذين قال الله تعالى فيهم : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) " ( الأنعام : 82 ) ثم قال صلى الله عليه وسلم : " دونكم أخاكم " قال فاحتملناه إلى الماء فغسلناه وحنطناه وكفناه وحملناه إلى القبر ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحديث . رواه أحمد ، وفي إسناده أبو جناب مختلف فيه ، والمتن صحيح . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة يطول استقصاؤها وفيما ذكرنا كفاية .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية