وهو كثير .
فما جاء عن الصحابة :
ما صح عن رضي الله عنه : أنه خطب الناس ، فقال : " أيها الناس ! قد سنت لكم السنن ، وفرضت لكم الفرائض ، وتركتم على الواضحة ، إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا " . عمر بن الخطاب
وصفق بإحدى يديه على الأخرى ، ثم قال : " إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم ، أن يقول قائل : لا نجد حدين في كتاب الله ، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا " إلى آخر الحديث .
وفي الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه : أنه قال : " يا معشر [ ص: 106 ] القراء ! استقيموا; فقد سبقتم سبقا بعيدا ، ولئن أخذتم يمينا وشمالا ، لقد ضللتم ضلالا بعيدا .
وروي عنه من طريق آخر : أنه كان يدخل المسجد ، فيقف على الحلق ، فيقول : " يا معشر القراء ! اسلكوا الطريق ، فلئن سلكتموها; لقد سبقتم سبقا بعيدا ، ولئن أخذتم يمينا وشمالا ، لقد ضللتم ضلالا بعيدا " .
وفي رواية : فوالله لئن استقمتم; لقد سبقتم سبقا بعيدا . الحديث ابن المبارك
وعنه أيضا : " أخوف ما أخاف على الناس اثنتان : أن يؤثروا ما يرون على ما يعملون ، وأن يضلوا وهم لا يشعرون " . قال سفيان : وهو صاحب البدعة .
وعنه أيضا : أنه أخذ حجرين ، فوضع أحدهما على الآخر ، ثم قال لأصحابه : " هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور " ؟ قالوا : يا أبا عبد الله ، ما نرى بينهما من النور إلا قليلا .
قال : " والذي نفسي بيده; لتظهرن البدع حتى لا يرى من الحق إلا قدر ما بين هذين الحجرين من النور ، والله لتفشون البدع حتى إذا ترك منها شيء; قالوا : تركت السنة " .
وعنه أنه قال : " أول ما تفقدون من دينكم الأمانة ، وآخر ما تفقدون الصلاة ، ولتنقضن عرى الإسلام عروة عروة ، وليصلين نساؤكم وهن حيض ، ولتسلكن طريق من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ، وحذو النعل بالنعل ، لا تخطئون طريقهم ، ولا تخطئ بكم ، وحتى تبقى فرقتان من [ ص: 107 ] فرق كثيرة تقول إحداهما : ما بال الصلوات الخمس ؟ ، لقد ضل من كان قبلنا إنما قال الله : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) ، لا تصلون إلا ثلاثا . وتقول الأخرى : إنما المؤمنون بالله كإيمان الملائكة ، ما فيها كافر ولا منافق . حق على الله أن يحشرهما مع الدجال .
وهذا المعنى موافق لما ثبت من حديث أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : " إلى آخره . لألفين أحدكم متكئا على أريكته ، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا أدري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ; فإن السنة جاءت مفسرة للكتاب ، فمن أخذ بالكتاب من غير معرفة بالسنة ; زل عن الكتاب كما زل عن السنة ، فلذلك يقول القائل : " لقد ضل من كان قبلنا
وهذه الآثار عن حذيفة من تخريج . ابن وضاح
وخرج أيضا عن رضي الله عنه أنه قال : " اتبعوا آثارنا ولا تبتدعوا; فقد كفيتم " . عبد الله بن مسعود
وخرج عنه ابن وهب أيضا : أنه قال : " عليكم بالعلم قبل أن يقبض ، وقبضه بذهاب أهله . عليكم بالعلم; فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده . وستجدون أقواما يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم ، فعليكم بالعلم ، وإياكم والتبدع والتنطع والتعمق ، [ ص: 108 ] وعليكم بالعتيق " .
وعنه أيضا : " ليس عام إلا والذي بعده شر منه ، لا أقول : عام أمطر من عام ، ولا عام أخصب من عام ، ولا أمير خير من أمير ، ولكن ذهاب علمائكم وخياركم ، ثم يحدث قوم يقيسون الأمور بآرائهم ، فيهدم الإسلام ويثلم .
وقال أيضا : " كيف أنتم إذا ألبستم فتنة ، يهرم فيها الكبير ، وينشأ فيها الصغير ، تجري على الناس ، يحدثونها سنة ، وإذا غيرت ، قيل : هذا منكر ؟ ! .
وقال أيضا : " أيها الناس ! لا تبتدعوا ، ولا تنطعوا ، ولا تعمقوا ، وعليكم بالعتيق ، خذوا ما تعرفون ، ودعوا ما تنكرون " .
وعنه أيضا : " " . القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة
وقد روي معناه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم : عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة .
وعنه أيضا خرجه أنه قال : أشد الناس عذابا يوم القيامة : إمام ضال يضل الناس بغير ما أنزل الله ، ومصور ، ورجل قتل نبيا أو قتله نبي . قاسم بن أصبغ
وعن رضي الله عنه; قال : " لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به ، إني أخشى إن تركت شيئا من أمره [ ص: 109 ] أن أزيغ " . أبي بكر الصديق
خرج عن ابن المبارك ; قال : " بلغ ابن عمر أن عمر بن الخطاب يأكل ألوان الطعام ، فقال يزيد بن أبي سفيان عمر لمولى له يقال له يرفأ : إذا علمت أنه قد حضر عشاؤه فأعلمني ، فلما حضر عشاؤه ، أعلمه ، فأتاه عمر ، فسلم عليه ، فاستأذن فأذن له فدخل ، فقرب عشاءه فجاء بثريد لحم ، فأكل عمر معه منها ، ثم قرب شواء ، فبسط يزيد يده ، وكف عمر يده ثم قال : والله يا ، أطعام بعد طعام ؟ ! والذي نفس يزيد بن أبي سفيان عمر بيده ، لئن خالفتم عن سنتهم ، ليخالفن بكم عن طريقهم .
وعن قال : " صلاة السفر ركعتان ، من خالف السنة كفر " . ابن عمر
وخرج الآجري عن السائب بن يزيد; قال : " أتى [ رجال ] ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ! إنا لقينا رجلا يسأل عن تأويل القرآن ، فقال : اللهم أمكني منه " . عمر بن الخطاب
قال : " فبينما عمر ذات يوم يغدي الناس; إذ جاءه عليه ثياب وعمامة ، فتغدى ، حتى إذا فرغ قال : يا أمير المؤمنين ( والذاريات ذروا فالحاملات وقرا ) فقال عمر : أنت هو ؟ فقام إليه محسرا عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته ، فقال : والذي نفسي بيده; لو وجدتك محلوقا; لضربت رأسك .
ألبسوه ثيابه ، واحملوه على قتب ، ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلاده ، [ ص: 110 ] ثم ليقم خطيبا ثم ليقل : إن صبيغا طلب العلم ، فأخطأ فلم يزل وضيعا في قومه حتى هلك ، وكان سيد قومه .
وخرج وغيره عن ابن المبارك : أنه قال : " عليكم بالسبيل والسنة ، فإنه ما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله ، ففاضت عيناه من خشية الله فيعذبه الله أبدا . وما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه ، فاقشعر جلده من خشية الله ، إلا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها ، فهي كذلك إذا أصابتها ريح شديدة ، فتحات عنها ورقها; إلا حط الله عنه خطاياه كما تحات عن الشجرة ورقها ، فإن اقتصادا في سبيل الله وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة ، وانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهادا واقتصادا أن يكون على منهاج الأنبياء وسنتهم . أبي بن كعب
وخرج عن ابن وضاح ; قال : " ما يأتي على الناس من عام; إلا أحدثوا فيه بدعة ، وأماتوا سنة ، حتى تحيا البدع ، وتموت السنن " . ابن عباس
وعنه أنه قال : " عليكم بالاستفاضة والأثر ، وإياكم والبدع " .
وخرج ابن وهب عنه أيضا; قال : " من أحدث رأيا ليس في كتاب الله ، ولم تمض به سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم; لم يدر ما هو عليه إذا لقي الله عز وجل .
وخرج أبو داود وغيره عن رضي الله عنه : أنه قال [ ص: 111 ] يوما : " إن من ورائكم فتنا ، يكثر فيها المال ، ويفتح فيها القرآن ، حتى يأخذه المؤمن والمنافق ، والرجل والمرأة ، والصغير والكبير ، والعبد والحر ، فيوشك قائل أن يقول : ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ؟ ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره ، وإياكم وما ابتدع ، فإن ما ابتدع ضلالة ، وأحذركم زيغة الحكيم ، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم ، وقد يقول المنافق كلمة الحق . معاذ بن جبل
قال الراوي : قلت لمعاذ : وما يدريني يرحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة ضلالة ، وأن المنافق قد يقول كلمة الحق ؟
قال : " بلى ! اجتنب من كلام الحكيم ( غير ) المشتهرات التي يقال فيها : ما هذه ؟ ولا يثنينك ذلك عنه ، فإنه لعله أن يراجع ، وتلق الحق إذا سمعته ، فإن على الحق نورا " .
وفي رواية مكان ( المشتهرات ) : المشتبهات ، وفسر بأنه ما تشابه عليك من قول ، حتى يقال : ما أراد بهذه الكلمة ؟
ويريد والله أعلم ما لم يشتمل ظاهره على مقتضى السنة ، حتى تنكره القلوب ، ويقول الناس : ما هذه ؟ وذلك راجع إلى ما يحذر من زلة العالم حسبما يأتي بحول الله .
: ومما جاء عمن بعد الصحابة رضي الله عنهم
ما ذكر عن ابن وضاح الحسن ; قال : صاحب البدعة لا يزداد اجتهادا - صياما وصلاة - إلا ازداد من الله بعدا .
[ ص: 112 ] وخرج ابن وهب عن : أنه قال : " لأن أرى في المسجد نارا لا أستطيع إطفاءها ، أحب إلي من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها " . أبي إدريس الخولاني
وعن : " اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين ، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين " . الفضيل بن عياض
وعن الحسن : " لا تجالس صاحب هوى فيقذف في قلبك ما تتبعه عليه فتهلك ، أو تخالفه فيمرض قلبك " .
وعنه أيضا في قول الله تعالى : ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) ; قال : " كتب الله صيام رمضان على أهل الإسلام كما كتبه على من كان قبلهم ، فأما اليهود; فرفضوه ، وأما النصارى; فشق عليهم الصوم ، فزادوا فيه عشرا ، وأخروه إلى أخف ما يكون عليهم فيه الصوم من الأزمنة " .
فكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث; قال : " عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة " .
وعن أبي قلابة : " لا تجالسوا أهل الأهواء ، ولا تجادلوهم; فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم ، ويلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون " .
قال أيوب : " وكان والله من الفقهاء ذوي الألباب " .
وعنه أيضا : أنه كان يقول : " إن أهل الأهواء أهل ضلالة ، ولا أرى مصيرهم إلا إلى النار " .
[ ص: 113 ] وعن الحسن : " لا تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك " .
وعن أنه كان يقول : " ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا ، إلا ازداد من الله بعدا " . أيوب السختياني
وعن أبي قلابة : " ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف " .
وكان أيوب يسمي أصحاب البدع خوارج ، ويقول : " إن الخوارج اختلفوا في الاسم ، واجتمعوا على السيف " .
وخرج ابن وهب عن سفيان ، قال : " كان رجل فقيه يقول : ما أحب أني هديت الناس كلهم وأضللت رجلا واحدا " .
وخرج عنه أنه كان يقول : " لا يستقيم قول إلا بعمل ، ولا قول وعمل إلا بنية ، ولا قول ولا عمل ولا نية ، إلا موافقا للسنة " .
وذكر أن الآجري كان يرى أسرع الناس ردة أهل الأهواء . ابن سيرين
وعن إبراهيم : " ولا تكلموهم إني أخاف أن ترتد قلوبكم " .
وعن قال : " لا يقبل الله من صاحب بدعة صياما ولا صلاة ولا حجا ولا جهادا ولا عمرة ولا صدقة ولا عتقا ولا صرفا ولا عدلا " . هشام بن حسان
زاد ابن وهب عنه : " وليأتين على الناس زمان يشتبه فيه الحق والباطل ، فإذا كان ذلك; لم ينفع فيه دعاء إلا كدعاء الغرق " .
وعن ; قال : " إذا لقيت صاحب بدعة [ ص: 114 ] في طريق; فخذ في طريق آخر . يحيى بن أبي كثير
وعن بعض السلف : " من جالس صاحب بدعة ، نزعت منه العصمة ، ووكل إلى نفسه .
وعن : أنه كان يقول لابنه : " يا العوام بن حوشب عيسى ، أصلح قلبك وأقلل مالك " .
وكان يقول : " والله لأن أرى عيسى في مجالس أصحاب البرابط والأشربة والباطل أحب إلي من أن أراه يجالس أصحاب الخصومات " .
قال : " يعني : أهل البدع " . ابن وضاح
وقال رجال لـ : يا أبي بكر بن عياش أبا بكر ، من السني ؟ [ قال ] : " الذي إذا ذكرت الأهواء لم يغضب لشيء منها " .
وقال : " إن الذي تعرض عليه السنة فيقبلها الغريب ، وأغرب منه صاحبها " . يونس بن عبيد
وعن يحيى بن أبي عمر الشيباني ; قال : " كان يقال : يأبى الله لصاحب بدعة بتوبة ، وما انتقل صاحب بدعة إلا إلى شر منها " .
وعن أبي العالية : " تعلموا الإسلام ، فإذا تعلمتموه; فلا ترغبوا عنه ، وعليكم بالصراط المستقيم; فإنه الإسلام ، ولا تحرفوا يمينا ولا شمالا ، وعليكم بسنة نبيكم وما كان عليه أصحابه من قبل أن يقتلوا صاحبهم ومن قبل أن يفعلوا الذي فعلوا ، قد قرأنا القرآن من قبل أن يقتلوا [ ص: 115 ] صاحبهم ومن قبل أن يفعلوا الذي فعلوا ، وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء " .
فحدث الحسن بذلك فقال : " رحمه الله ، صدق ونصح " .
خرجه وغيره . ابن وضاح
وكان مالك كثيرا ما ينشد :
وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع
وعن ؛ قال : " أهل هذه الأهواء آفة أمة مقاتل بن حيان محمد صلى الله عليه وسلم ، إنهم يذكرون النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ، فيتصيدون بهذا الذكر الحسن عند الجهال من الناس ، فيقذفون بهم في المهالك ، فما أشبههم بمن يسقي الصبر باسم العسل ، ومن يسقي السم القاتل باسم الترياق ، فأبصرهم; فإنك إن لا تكن أصبحت في بحر الماء ، فقد أصبحت في بحر الأهواء الذي هو أعمق غورا ، وأشد اضطرابا ، وأكثر صواعق ، وأبعد مذهبا من البحر وما فيه ، فتلك مطيتك التي تقطع بها سفر الضلال ، اتباع السنة " .وعن قال : " اعلم أي أخي أن الموت كرامة لكل مسلم لقي الله على السنة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فإلى الله نشكو وحشتنا ، وذهاب الإخوان ، وقلة الأعوان ، وظهور البدع . وإلى الله نشكو [ ص: 116 ] عظيم ما حل بهذه الأمة من ذهاب العلماء وأهل السنة وظهور البدع " . ابن المبارك
وكان يقول : " اللهم اعصمني بدينك وبسنة نبيك ، من الاختلاف في الحق ، ومن اتباع الهوى ، ومن سبل الضلالة ، ومن شبهات الأمور ، ومن الزيغ والخصومات " . إبراهيم التيمي
وعن رحمه الله : كان يكتب في كتبه : " إني أحذركم ما مالت إليه الأهواء والزيغ البعيدة " . عمر بن عبد العزيز
ولما بايعه الناس; صعد على المنبر ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : " أيها الناس ! إنه ليس بعد نبيكم نبي ، ولا بعد كتابكم كتاب ، ولا بعد سنتكم سنة ، ولا بعد أمتكم أمة ، ألا وإن الحلال ما أحل الله في كتابه على لسان نبيه حلال إلى يوم القيامة ، ألا وإن الحرام ما حرم الله في كتابه على لسان نبيه حرام إلى يوم القيامة ، ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع ، ألا وإني لست بقاض ولكني منفذ ، ألا وإني لست بخازن ولكني أضع حيث أمرت ، ألا وإني لست بخيركم ولكني أثقلكم حملا . ألا ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " . ثم نزل .
وفيه قال عروة بن أذينة عن أذينة يرثيه بها :
وأحييت في الإسلام علما وسنة ولم تبتدع حكما من الحكم أضجعا
ففي كل يوم كنت تهدم بدعة وتبني لنا من سنة ما تهدما
وبحق ما كان يعجبهم; فإنه كلام مختصر ، جمع أصولا حسنة من السنة :
منها ما نحن فيه; لأن قوله : " ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها " ، قطع لمادة الابتداع جملة .
وقوله : " من عمل بها مهتد إلى آخر الكلام مدح لمتبع السنة ، وذم لمن خالفها بالدليل الدال على ذلك ، وهو قول الله سبحانه وتعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) .
ومنها ما سنه ولاة الأمر من بعد النبي صلى الله عليه وسلم; فهو سنة; لا بدعة فيه ألبتة ، وإن لم يعلم في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم نص عليه على الخصوص ، فقد جاء ما يدل عليه في الجملة ، وذلك نص حديث رضي الله عنه حيث قال فيه : العرباض بن سارية
. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها ، [ ص: 118 ] وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور
فقرن عليه السلام كما ترى سنة الخلفاء الراشدين بسنته ، وإن من اتباع سنته اتباع سنتهم ، وإن المحدثات خلاف ذلك ، ليست منها في شيء ، لأنهم رضي الله عنهم فيما سنوه : إما متبعون لسنة نبيهم عليه السلام نفسها ، وإما متبعون لما فهموا من سنته صلى الله عليه وسلم في الجملة والتفصيل على وجه يخفى على غيرهم مثله ، لا زائد على ذلك .
وسيأتي بيانه بحول الله .
على أن نقل عن أبا عبد الله الحاكم قول السلف الصالح : " سنة يحيى بن آدم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما " ، أن المعنى فيه : " أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو على تلك السنة ، وأنه لا يحتاج مع قول النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول أحد " .
وما قال صحيح في نفسه ، فهو مما يحتمله حديث العرباض رضي الله عنه ، فلا زائد إذا على ما ثبت في السنة النبوية; إلا أنه قد يخاف أن تكون منسوخة بسنة أخرى ، فافتقر العلماء إلى النظر في عمل الخلفاء بعده ، ليعلموا أن ذلك هو الذي مات عليه النبي صلى الله عليه وسلم; من غير أن يكون له ناسخ ، لأنهم كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمره .
وعلى هذا المعنى بنى في احتجاجه بالعمل ، ورجوعه إليه عند تعارض السنن . مالك بن أنس
[ ص: 119 ] ومن الأصول المضمنة في أثر : أن سنة ولاة الأمر وعملهم تفسير لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، لقوله : " الأخذ بها تصديق لكتاب الله ، واستكمال لطاعة الله ، وقوة على دين الله " . عمر بن عبد العزيز
وهو أصل مقرر في غير هذا الموضع ، فقد جمع كلام رحمه الله أصولا حسنة وفوائد مهمة . عمر بن عبد العزيز
ومما يعزى لـ أبي إلياس الألباني : " ثلاث لو كتبن في ظفر; لوسعهن ، وفيهن خير الدنيا والآخرة : اتبع لا تبتدع ، اتضع لا ترتفع ، ومن ورع لا يتسع " . والآثار هنا كثيرة .