فصل .
وأما قول الرافضي : " " . إن القرآن حيث ذكر إنزال السكينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم شرك معه المؤمنين إلا هذا الموضع ، ولا نقص أعظم منه
[ ص: 489 ] فالجواب : أولا [1] : أن هذا يوهم أنه [2] ذكر ذلك في مواضع متعددة وليس كذلك ، بل لم يذكر ذلك إلا في قصة حنين .
كما قال تعالى : ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها ) [ سورة التوبة : 25 ، 26 ] فذكر إنزال السكينة على الرسول والمؤمنين بعد أن ذكر توليتهم [3] مدبرين .
وقد ذكر إنزال السكينة على المؤمنين وليس معهم الرسول في قوله : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) [ سورة الفتح : 1 ] إلى قوله : ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ) [ سورة الفتح : 4 ] الآية ، وقوله : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم ) [ سورة الفتح : 18 ] .
ويقال : ثانيا : الناس قد تنازعوا في عود الضمير في قوله تعالى : ( فأنزل الله سكينته عليه ) [ سورة التوبة : 40 ] فمنهم من قال : إنه عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال : إنه عائد إلى لأنه أقرب المذكورين ولأنه كان محتاجا إلى إنزال السكينة أبي بكر [4] ، فأنزل السكينة عليه كما أنزلها على المؤمنين الذين بايعوه تحت الشجرة .
[ ص: 490 ] والنبي صلى الله عليه وسلم كان مستغنيا عنها في هذه الحال [5] لكمال طمأنينته بخلاف إنزالها يوم حنين ، فإنه كان محتاجا إليها لانهزام جمهور أصحابه وإقبال العدو نحوه [6] وسوقه ببغلته إلى العدو .
وعلى القول الأول يكون الضمير عائدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما عاد الضمير إليه في قوله : ( وأيده بجنود لم تروها ) [ سورة التوبة : 40 ] ; ولأن سياق الكلام كان في ذكره ، وإنما ذكر صاحبه ضمنا وتبعا .
لكن يقال : على هذا لما قال لصاحبه [7] : ( إن الله معنا ) والنبي صلى الله عليه وسلم هو المتبوع المطاع ، تابع مطيع ، وهو صاحبه والله معهما ، فإذا حصل وأبو بكر [8] للمتبوع في هذه الحال سكينة وتأييد كان ذلك للتابع أيضا بحكم الحال فإنه صاحب تابع لازم ، ولم يحتج أن يذكر هنا لكمال الملازمة والمصاحبة التي توجب مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في التأييد . أبو بكر
بخلاف حال المنهزمين يوم حنين ، فإنه لو قال : فأنزل الله سكينته على رسوله وسكت لم يكن في الكلام ما يدل على نزول السكينة عليهم لكونهم بانهزامهم فارقوا الرسول ، ولكونهم لم يثبت لهم من الصحبة المطلقة التي تدل على كمال الملازمة ما ثبت . لأبي بكر
[ ص: 491 ] لما وصفه بالصحبه المطلقة الكاملة ، ووصفها في أحق وأبو بكر [9] الأحوال أن يفارق الصاحب فيها صاحبه ، وهو حال شدة الخوف ، كان هذا دليلا بطريق الفحوى على أنه صاحبه وقت النصر والتأييد ، فإن من كان صاحبه في حال الخوف الشديد ، فلأن يكون صاحبه في حال حصول [10] النصر والتأييد أولى وأحرى فلم يحتج أن يذكر صحبته له في هذه الحال لدلالة الكلام والحال عليها .
وإذا علم أنه صاحبه في هذه الحال علم أن ما حصل للرسول من إنزال السكينة والتأييد بإنزال الجنود التي لم يرها الناس لصاحبه المذكور فيها أعظم مما لسائر الناس وهذا . من بلاغة القرآن وحسن بيانه
وهذا كما في قوله : ( والله ورسوله أحق أن يرضوه ) [ سورة التوبة : 62 ] [11] ، فإن الضمير [12] [ في قوله : ( أحق أن يرضوه ) ] [13] إن عاد إلى الله ، فإرضاؤه لا يكون إلا بإرضاء الرسول ، وإن عاد إلى الرسول فإنه لا يكون ( * إرضاؤه إلا بإرضاء الله ، فلما كان إرضاؤهما لا يحصل أحدهما إلا مع الآخر ، وهما يحصلان بشيء * ) [14] واحد ، والمقصود بالقصد الأول إرضاء الله وإرضاء الرسول تابع ، وحد الضمير في قوله : ( أحق أن يرضوه ) ، وكذلك وحد الضمير في قوله : ( فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ) ; لأن نزول ذلك على أحدهما يستلزم مشاركة الآخر له ، إذ محال [ ص: 492 ] أن ينزل [15] ذلك على الصاحب دون المصحوب ، أو على المصحوب دون الصاحب الملازم [16] ، فلما كان لا يحصل ذلك إلا مع الآخر وحد الضمير ، وأعاده إلى الرسول فإنه هو المقصود والصاحب تابع له .
ولو قيل : فأنزل السكينة عليهما وأيدهما ، لأوهم أن شريك في النبوة ، أبا بكر كهارون مع موسى حيث قال : ( سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا ) الآية [ سورة القصص : 35 ] ، وقال : ( ولقد مننا على موسى وهارون ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ونصرناهم فكانوا هم الغالبين وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم ) [ سورة الصافات : 114 - 118 ] ، فذكرهما أولا وقومهما فيما يشركونهما [17] فيه .
كما قال : ( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) [ سورة الفتح : 26 ] إذ ليس في الكلام ما يقتضي حصول النجاة والنصر لقومهما إذا نصرا ونجيا ، ثم فيما يختص بهما ذكرهما بلفظ التثنية إذا كانا شريكين في النبوة لم يفرد موسى كما أفرد الرب نفسه بقوله : ( والله ورسوله أحق أن يرضوه ) [ سورة التوبة : 62 ] ، وقوله : ( أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ) [ سورة التوبة : 24 ] .
فلو قيل : أنزل الله سكينته عليهما وأيدهما لأوهم الشركة ، بل عاد الضمير إلى الرسول المتبوع ، وتأييده تأييد لصاحبه التابع له الملازم بطريق الضرورة .
[ ص: 493 ] ولهذا لم ينصر النبي صلى الله عليه وسلم قط [18] في موطن إلا كان رضي الله عنه أعظم المنصورين بعده ، ولم يكن أحد من الصحابة أعظم يقينا وثباتا في المخاوف منه ، ولهذا قيل : أبو بكر بإيمان أهل الأرض لرجح أبي بكر . لو وزن إيمان
كما في السنن عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أبي بكرة فرجحت أنت وأبو بكر ، ثم وزن بأبي بكر أبو بكر فرجح وعمر ، ثم وزن أبو بكر عمر فرجح وعثمان ، ثم رفع الميزان فاستاء لها النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " خلافة نبوة ، ثم يؤتي الله الملك من يشاء عمر " هل رأى أحد منكم رؤيا ؟ " فقال رجل : أنا رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت [19] .
وقال : ما سبقهم أبو بكر بن عياش بصلاة ولا صيام ، ولكن بشيء وقر في قلبه . أبو بكر