الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الرابع : قوله : " فجاءت بأم أيمن فشهدت لها بذلك ، فقال : امرأة لا يقبل قولها . وقد رووا جميعا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أم أيمن امرأة من أهل الجنة " .

                  الجواب : أن هذا احتجاج جاهل مفرط في الجهل [1] يريد أن يحتج لنفسه فيحتج عليها ، فإن هذا القول لو قاله الحجاج بن يوسف والمختار بن أبي عبيد وأمثالهما لكان قد قال حقا ، فإن امرأة واحدة لا يقبل قولها في الحكم بالمال لمدع يريد أن يأخذ ما هو في الظاهر لغيره ، فكيف إذا حكي مثل هذا عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ؟ ! .

                  وأما الحديث الذي ذكره وزعم أنهم رووه جميعا ، فهذا الخبر لا يعرف في شيء من دواوين الإسلام ولا يعرف عالم من علماء الحديث رواه [2] . وأم [ ص: 237 ] أيمن هي أم أسامة بن زيد ، وهي حاضنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهي من المهاجرات ، ولها حق وحرمة [3] لكن الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تكون بالكذب عليه وعلى أهل العلم . وقول القائل : " رووا جميعا " لا يكون إلا في خبر متواتر ، فمن ينكر [4] حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يورث ، وقد رواه أكابر الصحابة ، ويقول : إنهم جميعا رووا هذا الحديث ، إنما يكون من أجهل الناس وأعظمهم جحدا للحق .

                  وبتقدير أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أنها من أهل الجنة ، فهو كإخباره عن غيرها أنه من أهل الجنة ، وقد أخبر عن كل واحد من العشرة أنه في الجنة ، وقد قال [5] : " لا يدخل النار أحد بايع [6] تحت الشجرة " وهذا الحديث في الصحيح ثابت عند [7] أهل العلم بالحديث [8] ، وحديث الشهادة لهم بالجنة رواه أهل السنن من غير وجه ، من حديث عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد [9] . فهذه الأحاديث المعروفة عن أهل العلم بالحديث . ثم هؤلاء يكذبون من علم أن الرسول شهد لهم بالجنة ، وينكرون عليهم كونهم لم يقبلوا [10] شهادة امرأة زعموا أنه شهد لها بالجنة ، فهل يكون أعظم من جهل هؤلاء وعنادهم ؟ ! .

                  [ ص: 238 ] ثم يقال : كون الرجل من أهل الجنة لا يوجب قبول شهادته ، لجواز أن يغلط في الشهادة . ولهذا لو شهدت خديجة وفاطمة وعائشة ونحوهن ، ممن يعلم أنهن من أهل الجنة ، لكانت شهادة إحداهن نصف شهادة رجل ، كما حكم بذلك القرآن . كما أن ميراث إحداهن نصف ميراث رجل ، وديتها نصف دية رجل [11] . وهذا كله باتفاق المسلمين ، فكون المرأة من أهل الجنة لا يوجب قبول شهادتها لجواز الغلط عليها ، فكيف وقد يكون الإنسان ممن يكذب ويتوب من الكذب ثم يدخل الجنة ؟ .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية