الوجه الرابع
[1] أن يقال : أما
nindex.php?page=treesubj&link=29682القول بأنه جسم أو ليس بجسم ، فهذا مما تنازع فيه أهل الكلام والنظر ، وهي مسألة عقلية ، وقد تقدم أن الناس فها على ثلاثة أقوال : نفي وإثبات ، ووقف ، وتفصيل
[2] ، وهذا هو الصواب الذي عليه السلف والأئمة .
ولهذا لما ذكر
أبو عيسى برغوث nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد هذا في مناظرته إياه ، وأشار إلى أنه إذا قلت إن القرآن غير مخلوق ، لزم أن يكون الله جسما ; لأن
[ ص: 610 ] القرآن صفة وعرض ، ولا يكون إلا بفعل ، والصفات والأعراض والأفعال لا تقوم إلا بالأجسام ، أجابه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد بأنا نقول : إن الله أحد صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، وأن هذا الكلام لا يدرى مقصود صاحبه به ، فلا نطلقه لا نفيا ولا إثباتا . أما
[3] من جهة الشرع فلأن الله ورسوله
[4] وسلف الأمة لم يتكلموا بذلك لا نفيا ولا إثباتا ، فلا قالوا
[5] : هو جسم ، ولا قالوا : [ هو ]
[6] ليس بجسم .
ولما سلك من سلك في الاستدلال على حدوث العالم بحدوث الأجسام ، ودخلوا في هذا الكلام ، ذم السلف
[7] الكلام وأهله ، حتى قال
أبو يوسف : من طلب الدين بالكلام تزندق
[8] ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ، ويطاف بهم في القبائل والعشائر ، ويقال : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام
[9] ، وقال : لقد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننت مسلما يقوله ،
[ ص: 611 ] ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه
[10] ما خلا الشرك بالله خير له من أن يبتلى بالكلام
[11] . وقد صنفت
[12] في ذمهم مصنفات مثل كتاب
أبي عبد الرحمن السلمي [13] ، وكتاب
شيخ الإسلام الأنصاري [14] وغير ذلك .
وأما من جهة العقل فلأن هذا اللفظ مجمل يدخل فيه نافيه
[15] معاني يجب إثباتها لله ، ويدخل فيه مثبته
[16] ما ينزه الله تعالى عنه ، فإذا لم يدر مراد المتكلم [ به لم ينف ولم يثبت ، وإذا فسر ]
[17] مراده قبل الحق وعبر عنه بالعبارات الشرعية ورد الباطل ، وإن تكلم بلفظ لم يرد عن الشارع
[ ص: 612 ] للحاجة إلى إفهام المخاطب بلغته مع ظهور المعنى الصحيح لم يكن بذلك [ بأس ، فإنه يجوز ]
[18] nindex.php?page=treesubj&link=28888ترجمة القرآن والحديث للحاجة إلى الإفهام ، وكثير ممن قد تعود عبارة معينة إن لم يخاطب بها لم يفهم ولم يظهر له
[19] صحة القول وفساده ، وربما نسب المخاطب إلى أنه لا يفهم ما يقول .
وأكثر الخائضين في الكلام والفلسفة من هذا الضرب : ترى أحدهم يذكر له
[20] المعاني الصحيحة بالنصوص الشرعية فلا يقبلونها لظنهم أن في عبارتهم من المعاني ما ليس في تلك ، فإذا أخذ المعنى الذي دل عليه الشرع وصيغ
[21] بلغتهم ، وبين به
[22] بطلان قولهم المناقض للمعنى الشرعي ، خضعوا لذلك
[23] وأذعنوا له ، كالتركي والبربري [ والرومي ]
[24] والفارسي الذي يخاطبه بالقرآن العربي ويفسره فلا يفهمه حتى يترجم له شيئا بلغته
[25] فيعظم سروره وفرحه ، ويقبل الحق ويرجع عن باطله ، لأن المعاني التي جاء بها الرسول أكمل المعاني وأحسنها وأصحها ، لكن هذا يحتاج إلى كمال المعرفة لهذا ولهذا ، كالترجمان الذي [ يريد أن ] يكون حاذقا في فهم اللغتين
[26] .
[ ص: 613 ] وهذا الإمامي يناظر في ذلك أئمته
nindex.php?page=showalam&ids=17238كهشام [ بن الحكم ]
[27] وأمثاله ، ولا يمكنه أن يقطعهم بوجه من الوجوه ، كما لا يمكنه أن يقطع
الخوارج بوجه من الوجوه ، وإن كان في قول
الخوارج والمجسمة من الفساد ما فيه فلا يقدر أن يدفعه إلا أهل السنة .
ونحن نذكر مثالا
[28] فنقول : أهل السنة متفقون على
nindex.php?page=treesubj&link=28725أن الله لا يرى في الدنيا ويرى في الآخرة ، [ لم يتنازع أهل السنة إلا في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مع أن أئمة السنة على أنه لم يره أحد بعينه في الدنيا مطلقا ]
[29] ] ، وقد ذكر عن طائفة أنهم يقولون : إن الله
[30] يرى في الدنيا ، وأهل السنة يردون على هذا بالكتاب والسنة مثل استدلالهم بأن
موسى [ عليه السلام ]
[31] منع منها ، فمن هو دونه أولى ، وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=703405واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت " [ رواه مسلم في صحيحه . وروي هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه متعددة ]
[32] ، وبطرق عقلية : كبيانهم عجز الأبصار في الدنيا عن الرؤية ونحو ذلك .
[ ص: 614 ] وأما هذا وأمثاله فليست لهم على هؤلاء
[33] حجة لا عقلية ولا شرعية ، فإن عمدتهم في نفي الرؤية أنه لو رئي لكان في جهة ولكان جسما
[34] ، وهؤلاء [ يقولون : إنه يرى في الدنيا ، بل ]
[35] يقولون : إنه في جهة
[36] وهو جسم .
فإن أخذوا في الاستدلال على نفي الجهة ونفي الجسم ، كان منتهاهم معهم إلى أنه لا تقوم به الصفات
[37] ، وهؤلاء يقولون : تقوم به الصفات . فإن استدلوا على ذلك ، كان منتهاهم معهم إلى أن الصفات أعراض ، وما قامت به الأعراض محدث . وهؤلاء يقولون : تقوم به الأعراض ، وهو قديم والأعراض عند هؤلاء تقوم بالقديم .
فإن قالوا : الجسم لا يخلو عن الحركة أو السكون
[38] ، وما لا يخلو
[ ص: 615 ] عنهما فهو محدث لامتناع حوادث لا أول لها ، فهذا منتهى ما عند
المعتزلة وأتباعهم من
الشيعة .
قال لهم أولئك : لا نسلم أن الجسم لا يخلوا عن الحركة والسكون [ الوجوديين ]
[39] ، بل يجوز خلوه عن الحركة ، لأن السكون عدم الحركة [ مطلقا
[40] ، وعدم الحركة ]
[41] عما من شأنه أن يقبلها ، فيجوز ثبوت
[42] جسم قديم ساكن لا يتحرك .
وقالوا لهم
[43] : لا نسلم امتناع حوادث لا أول لها ، وطعنوا في أدلة نفي ذلك بالمطاعن المعروفة ، حتى حذاق المتأخرين
[44] كالرازي وأبي الحسن الآمدي وأبي الثناء الأرموي [45] وغيرهم طعنوا في ذلك ( * كله ، وطعن
الرازي في ذلك في مواضع وإن كان اعتمد عليه * )
[46] في
[ ص: 616 ] مواضع
[47] .
والآمدي طعن
[48] في طرق الناس إلا طريقة ارتضاها
[49] ، وهي
[50] أضعف من غيرها طعن فيها غيره .
فهذان مقامان من المقامات العقلية لا يقدر هؤلاء أن يغلبوا فيها شيوخهم المتقدمين ، فإذا كانوا لا ينفون
[51] رؤيته في الدنيا
[52] إلا بهذه الطريق ، لم يكن لهم حجة إلا على من يقول
[53] : إنه يرى ويصافح وأمثال
[ ص: 617 ] ذلك من المقالات مع أن هذا [ من ]
[54] أشنع المقالات عند أهل السنة والجماعة ، ولا يعرف له
[55] قائل [ معدود ]
[56] من أهل السنة والحديث .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ
[1] أَنْ يُقَالَ : أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29682الْقَوْلُ بِأَنَّهُ جِسْمٌ أَوْ لَيْسَ بِجِسْمٍ ، فَهَذَا مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ أَهْلُ الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَقْلِيَّةٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّاسَ فَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ ، وَوَقْفٍ ، وَتَفْصِيلٍ
[2] ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ .
وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ
أَبُو عِيسَى بُرْغُوثٌ nindex.php?page=showalam&ids=12251لِأَحْمَدَ هَذَا فِي مُنَاظَرَتِهِ إِيَّاهُ ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قُلْتَ إِنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جِسْمًا ; لِأَنَّ
[ ص: 610 ] الْقُرْآنَ صِفَةٌ وَعَرَضٌ ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِفِعْلٍ ، وَالصِّفَاتُ وَالْأَعْرَاضُ وَالْأَفْعَالُ لَا تَقُومُ إِلَّا بِالْأَجْسَامِ ، أَجَابَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِأَنَّا نَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ أَحَدٌ صَمَدٌ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، وَأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُدْرَى مَقْصُودُ صَاحِبِهِ بِهِ ، فَلَا نُطْلِقُهُ لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا . أَمَّا
[3] مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَلِأَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
[4] وَسَلَفَ الْأُمَّةِ لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِذَلِكَ لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا ، فَلَا قَالُوا
[5] : هُوَ جِسْمٌ ، وَلَا قَالُوا : [ هُوَ ]
[6] لَيْسَ بِجِسْمٍ .
وَلَمَّا سَلَكَ مَنْ سَلَكَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ ، وَدَخَلُوا فِي هَذَا الْكَلَامِ ، ذَمَّ السَّلَفُ
[7] الْكَلَامَ وَأَهْلَهُ ، حَتَّى قَالَ
أَبُو يُوسُفَ : مَنْ طَلَبَ الدِّينِ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ
[8] ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : حُكْمِي فِي أَهْلِ الْكَلَامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ ، وَيُطَافُ بِهِمْ فِي الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ ، وَيُقَالُ : هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلَامِ
[9] ، وَقَالَ : لَقَدِ اطَّلَعْتُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ عَلَى شَيْءٍ مَا ظَنَنْتُ مُسْلِمًا يَقُولُهُ ،
[ ص: 611 ] وَلَأَنْ يُبْتَلَى الْعَبْدُ بِكُلِّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ
[10] مَا خَلَا الشِّرْكَ بِاللَّهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُبْتَلَى بِالْكَلَامِ
[11] . وَقَدْ صُنِّفَتْ
[12] فِي ذَمِّهِمْ مُصَنَّفَاتٌ مِثْلُ كِتَابِ
أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ [13] ، وَكِتَابِ
شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْأَنْصَارِيِّ [14] وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَلِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُجْمَلٌ يُدْخِلُ فِيهِ نَافِيهِ
[15] مَعَانِيَ يَجِبُ إِثْبَاتُهَا لِلَّهِ ، وَيُدْخِلُ فِيهِ مُثْبِتُهُ
[16] مَا يُنَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَإِذَا لَمْ يُدْرَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ [ بِهِ لَمْ يُنْفَ وَلَمْ يُثْبَتْ ، وَإِذَا فُسِّرَ ]
[17] مُرَادُهُ قُبِلَ الْحَقُّ وَعُبِّرَ عَنْهُ بِالْعِبَارَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَرُدَّ الْبَاطِلُ ، وَإِنْ تَكَلُّمَ بِلَفْظٍ لَمْ يَرِدْ عَنِ الشَّارِعِ
[ ص: 612 ] لِلْحَاجَةِ إِلَى إِفْهَامِ الْمُخَاطَبِ بِلُغَتِهِ مَعَ ظُهُورِ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ [ بَأْسٌ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ ]
[18] nindex.php?page=treesubj&link=28888تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ لِلْحَاجَةِ إِلَى الْإِفْهَامِ ، وَكَثِيرٌ مِمَّنْ قَدْ تَعَوَّدَ عِبَارَةً مُعَيَّنَةً إِنْ لَمْ يُخَاطَبْ بِهَا لَمْ يَفْهَمْ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ
[19] صِحَّةُ الْقَوْلِ وَفَسَادُهُ ، وَرُبَّمَا نَسَبَ الْمُخَاطِبَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَفْهَمُ مَا يَقُولُ .
وَأَكْثَرُ الْخَائِضِينَ فِي الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ : تَرَى أَحَدَهُمْ يَذْكُرُ لَهُ
[20] الْمَعَانِيَ الصَّحِيحَةَ بِالنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَقْبَلُونَهَا لِظَنِّهِمْ أَنَّ فِي عِبَارَتِهِمْ مِنَ الْمَعَانِي مَا لَيْسَ فِي تِلْكَ ، فَإِذَا أَخَذَ الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَصِيغَ
[21] بِلُغَتِهِمْ ، وَبُيِّنَ بِهِ
[22] بُطْلَانُ قَوْلِهِمُ الْمُنَاقِضِ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ ، خَضَعُوا لِذَلِكَ
[23] وَأَذْعَنُوا لَهُ ، كَالتُّرْكِيِّ وَالْبَرْبَرِيِّ [ وَالرُّومِيِّ ]
[24] وَالْفَارِسِيِّ الَّذِي يُخَاطِبُهُ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ وَيُفَسِّرُهُ فَلَا يَفْهَمُهُ حَتَّى يُتَرْجِمَ لَهُ شَيْئًا بِلُغَتِهِ
[25] فَيَعْظُمَ سُرُورُهُ وَفَرَحُهُ ، وَيَقْبَلَ الْحَقَّ وَيَرْجِعَ عَنْ بَاطِلِهِ ، لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي جَاءَ بِهَا الرَّسُولُ أَكْمَلُ الْمَعَانِي وَأَحْسَنُهَا وَأَصَحُّهَا ، لَكِنْ هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى كَمَالِ الْمَعْرِفَةِ لِهَذَا وَلِهَذَا ، كَالتُّرْجُمَانِ الَّذِي [ يُرِيدُ أَنْ ] يَكُونَ حَاذِقًا فِي فَهْمِ اللُّغَتَيْنِ
[26] .
[ ص: 613 ] وَهَذَا الْإِمَامِيُّ يُنَاظِرُ فِي ذَلِكَ أَئِمَّتَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17238كَهِشَامِ [ بْنِ الْحَكَمِ ]
[27] وَأَمْثَالِهِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْطَعَهُمْ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ، كَمَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْطَعَ
الْخَوَارِجَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي قَوْلِ
الْخَوَارِجِ وَالْمُجَسِّمَةِ مِنَ الْفَسَادِ مَا فِيهِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَّا أَهْلُ السُّنَّةِ .
وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِثَالًا
[28] فَنَقُولُ : أَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28725أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا وَيُرَى فِي الْآخِرَةِ ، [ لَمْ يَتَنَازَعْ أَهْلُ السُّنَّةِ إِلَّا فِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، مَعَ أَنَّ أَئِمَّةَ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ بِعَيْنِهِ فِي الدُّنْيَا مُطْلَقًا ]
[29] ] ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ اللَّهَ
[30] يُرَى فِي الدُّنْيَا ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَرُدُّونَ عَلَى هَذَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِثْلُ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ
مُوسَى [ عَلَيْهِ السَّلَامُ ]
[31] مُنِعَ مِنْهَا ، فَمَنْ هُوَ دُونَهُ أَوْلَى ، وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=703405وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يَرَى رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ " [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ . وَرُوِيَ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ ]
[32] ، وَبِطُرُقٍ عَقْلِيَّةٍ : كَبَيَانِهِمْ عَجْزَ الْأَبْصَارِ فِي الدُّنْيَا عَنِ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
[ ص: 614 ] وَأَمَّا هَذَا وَأَمْثَالُهُ فَلَيْسَتْ لَهُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ
[33] حُجَّةٌ لَا عَقْلِيَّةٌ وَلَا شَرْعِيَّةٌ ، فَإِنَّ عُمْدَتَهُمْ فِي نَفْيِ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ لَوْ رُئِيَ لَكَانَ فِي جِهَةٍ وَلَكَانَ جِسْمًا
[34] ، وَهَؤُلَاءِ [ يَقُولُونَ : إِنَّهُ يُرَى فِي الدُّنْيَا ، بَلْ ]
[35] يَقُولُونَ : إِنَّهُ فِي جِهَةٍ
[36] وَهُوَ جِسْمٌ .
فَإِنْ أَخَذُوا فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى نَفْيِ الْجِهَةِ وَنَفْيِ الْجِسْمِ ، كَانَ مُنْتَهَاهُمْ مَعَهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ
[37] ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ . فَإِنِ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ ، كَانَ مُنْتَهَاهُمْ مَعَهُمْ إِلَى أَنَّ الصِّفَاتِ أَعْرَاضٌ ، وَمَا قَامَتْ بِهِ الْأَعْرَاضُ مُحْدَثٌ . وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : تَقُومُ بِهِ الْأَعْرَاضُ ، وَهُوَ قَدِيمٌ وَالْأَعْرَاضُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ تَقُومُ بِالْقَدِيمِ .
فَإِنْ قَالُوا : الْجِسْمُ لَا يَخْلُو عَنِ الْحَرَكَةِ أَوِ السُّكُونِ
[38] ، وَمَا لَا يَخْلُو
[ ص: 615 ] عَنْهُمَا فَهُوَ مُحْدَثٌ لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا ، فَهَذَا مُنْتَهَى مَا عِنْدَ
الْمُعْتَزِلَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنَ
الشِّيعَةِ .
قَالَ لَهُمْ أُولَئِكَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجِسْمَ لَا يَخْلُوَا عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ [ الْوُجُودِيَّيْنِ ]
[39] ، بَلْ يَجُوزُ خُلُوُّهُ عَنِ الْحَرَكَةِ ، لِأَنَّ السُّكُونَ عَدَمُ الْحَرَكَةِ [ مُطْلَقًا
[40] ، وَعَدَمُ الْحَرَكَةِ ]
[41] عَمَّا مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَقْبَلَهَا ، فَيَجُوزُ ثُبُوتُ
[42] جِسْمٍ قَدِيمٍ سَاكِنٍ لَا يَتَحَرَّكُ .
وَقَالُوا لَهُمْ
[43] : لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا ، وَطَعَنُوا فِي أَدِلَّةِ نَفْيِ ذَلِكَ بِالْمَطَاعِنِ الْمَعْرُوفَةِ ، حَتَّى حُذَّاقُ الْمُتَأَخِّرِينَ
[44] كَالرَّازِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الْآمِدِيِّ وَأَبِي الثَّنَاءِ الْأُرْمَوِيِّ [45] وَغَيْرِهِمْ طَعَنُوا فِي ذَلِكَ ( * كُلِّهِ ، وَطَعَنَ
الرَّازِيُّ فِي ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ وَإِنْ كَانَ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ * )
[46] فِي
[ ص: 616 ] مَوَاضِعَ
[47] .
وَالْآمِدِيُّ طَعَنَ
[48] فِي طُرُقِ النَّاسِ إِلَّا طَرِيقَةً ارْتَضَاهَا
[49] ، وَهِيَ
[50] أَضْعَفُ مِنْ غَيْرِهَا طَعَنَ فِيهَا غَيْرُهُ .
فَهَذَانِ مَقَامَانِ مِنَ الْمَقَامَاتِ الْعَقْلِيَّةِ لَا يَقْدِرُ هَؤُلَاءِ أَنْ يَغْلِبُوا فِيهَا شُيُوخَهُمُ الْمُتَقَدِّمِينَ ، فَإِذَا كَانُوا لَا يَنْفُونَ
[51] رُؤْيَتَهُ فِي الدُّنْيَا
[52] إِلَّا بِهَذِهِ الطَّرِيقِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ إِلَّا عَلَى مَنْ يَقُولُ
[53] : إِنَّهُ يُرَى وَيُصَافَحُ وَأَمْثَالَ
[ ص: 617 ] ذَلِكَ مِنَ الْمَقَالَاتِ مَعَ أَنَّ هَذَا [ مِنْ ]
[54] أَشْنَعِ الْمَقَالَاتِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ
[55] قَائِلٌ [ مَعْدُودٌ ]
[56] مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ .