وأما قوله : " ثم بمبايعة الخلق له " علي [1] .
فتخصيصه بمبايعة الخلق له ، دون عليا أبي بكر وعمر ، كلام ظاهر البطلان . وذلك أنه من المعلوم لكل من عرف سيرة القوم أن وعثمان لأبي بكر وعمر ، أعظم من اتفاقهم على بيعة وعثمان علي رضي الله [ عنه ] وعنهم أجمعين ، اتفاق الخلق ومبايعتهم [2] وكل أحد يعلم أنهم اتفقوا على [ بيعة ] [3] أعظم مما اتفقوا على [ بيعة ] عثمان [4] . والذين بايعوا علي في أول الأمر أفضل من الذين بايعوا عثمان ، فإنه بايعه عليا علي وعبد الرحمن بن عوف وطلحة ] والزبير وعبد الله ] بن مسعود ] والعباس [ ص: 535 ] [ بن عبد المطلب [5] بن كعب وأمثالهم ، مع سكينة وطمأنينة ، بعد وأبي [6] مشاورة المسلمين ثلاثة أيام .
وأما [ رضي الله عنه ] علي [7] فإنه بويع عقيب [8] قتل [ رضي الله عنه ] عثمان [9] والقلوب مضطربة مختلفة ، وأكابر الصحابة متفرقون ، وأحضر إحضارا حتى قال من قال : إنهم جاءوا به مكرها ، وأنه قال ، بايعت واللج - أي السيف - طلحة [10] على قفي .
وكان لأهل الفتنة بالمدينة شوكة لما قتلوا ، وماج الناس لقتله موجا عظيما . وكثير من الصحابة لم يبايع عثمان ، عليا وأمثاله ، وكان الناس معه ثلاثة أصناف : صنف قاتلوا معه ، وصنف قاتلوه ، وصنف لم يقاتلوه ولم يقاتلوا معه . فكيف يجوز أن يقال في كعبد الله بن عمر : بمبايعة الخلق له ، ولا يقال مثل ذلك في مبايعة علي [11] الثلاثة ولم يختلف عليهم [12] أحد ؟ بل [13] بايعهم [14] الناس كلهم لا سيما . عثمان
[ ص: 436 ] وأما فتخلف عن بيعته أبو بكر سعد ؛ لأنهم كانوا قد عينوه للإمارة [15] فبقي في نفسه ما يبقى في نفوس البشر . ولكن هو مع هذا - رضي الله عنه - لم يعارض ، ولم يدفع حقا ولا أعان على باطل . [ بل قد روى رحمه الله في مسند الإمام أحمد بن حنبل ، عن الصديق عفان [16] ، عن أبي عوانة [17] ، عن داود بن عبد الله الأودي ، عن حميد بن عبد الرحمن - هو الحميري - فذكر حديث السقيفة ، وفيه أن قال : ولقد علمت يا الصديق سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وأنت قاعد : " قريش ولاة هذا الأمر ، فبر الناس تبع لبرهم ، وفاجرهم تبع لفاجرهم " قال : فقال له سعد : صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء . فهذا مرسل حسن [18] ولعل حميدا أخذه عن بعض الصحابة الذين شهدوا ذلك ، وفيه فائدة [ ص: 537 ] جليلة [19] جدا ، وهي أن نزل عن مقامه الأول في دعوى الإمارة ، وأذعن سعد بن عبادة بالإمارة ، فرضي الله عنهم أجمعين ] للصديق [20] .
ولهذا على أقوال علي : اضطرب الناس في خلافة