( السابع )
ما كان عليه الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم - وأعيان التابعين لهم بإحسان وأتباعهم وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة ، وعرف عظم شأنه في الدين ، وتلقى الناس كلامهم خلف عن سلف ، دون من رمي ببدعة ، أو شهر بلقب غير مرضي مثل المراد بمذهب السلف الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجبرية والجهمية والمعتزلة والكرامية ، ونحو هؤلاء مما يأتي ذكرهم عند تعداد الفرق ، لكن لما كان [ ص: 21 ] فشو البدع وظهورها بعد المائتين لما عربت الكتب العجمية كما تقدم ، وزاد البلاء ، وأظهر القول بخلق القرآن ، وظهر مذهب الاعتزال ظهورا لا مزيد عليه ; بسبب انحراف الخلفاء عن مذهب الحق ، وكان الذي قام في نحورهم ، ورد مقالتهم ، وإبطال مذهبهم وتزييفه ، وذم من ذهب إليه ، أو عول عليه ، أو انتمى إلى ذويه ، أو ناضل عنه ، أو مال إليه سيدنا وقدوتنا الإمام المبجل ، والحبر البحر المفضل ، المأمون . نسب مذهب السلف إليه ، وعول أهل عصره من أهل الحق فمن بعدهم عليه ، وإلا فهو المذهب المأثور ، والحق الثابت المشهور لسائر أئمة الدين ، وأعيان الأمة المتقدمين ، قال أبا عبد الله الإمام أحمد بن محمد بن حنبل في كتابه المصنف في مسائل الإمام حرب بن إسماعيل الكرماني - رضي الله عنه - أحمد بن حنبل مع ما ذكر فيها من الآثار عن النبي المختار ، والصحابة الأبرار ، والتابعين الأطهار ، ومن بعدهم ، قال : هذا مذهب أئمة العلم ، وأصحاب الأثر المعروفين بالسنة ، المقتدى بهم فيها ، وأدركت من أدركت من علماء وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه العراق والحجاز والشام عليها ، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب ، أو طعن فيها ، أو عاب قائلها ، فهو مبتدع خارج عن الجماعة ، زائل عن سبيل السنة ومنهج الحق . قال : وهو مذهب الإمام أحمد وإسحاق ، ، وبقي بن مخلد ، وعبد الله بن الزبير الحميدي ، وغيرهم ممن جالسنا ، وأخذنا عنهم العلم . فذكر الكلام في الإيمان والقدر ، والوعيد والإمامة . . . إلخ كلامه كما سننبه عليه في محاله . وممن ألف في عقائد السلف ، وذكر معتقدهم في كتب التفسير المنقولة عن السلف مثل تفسير وسعيد بن منصور عبد الرزاق ، وتفسير الإمام أحمد ، وإسحاق ، ، وبقي بن مخلد ، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ، وعبد بن حميد ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم ، ومحمد بن جرير الطبري ، وأبي بكر بن المنذر وأبي بكر عبد العزيز ، وأبي الشيخ الأصفهاني ، وأبي بكر بن مردويه وغيرهم . وكذلك الكتب المصنفة في السنة والرد على الجهمية ، وأصول الدين المنقولة عن السلف ، مثل كتاب الرد على الجهمية لمحمد بن عبد الله الجعفي شيخ ، وكتاب خلق [ ص: 22 ] الأفعال للبخاري ، وكتاب السنة البخاري لأبي داود ، ، ولأبي بكر الأثرم ، ولعبد الله ابن الإمام أحمد ولحنبل بن إسحاق ، ولأبي بكر الخلال ، ولأبي الشيخ الأصفهاني ، ، ولأبي القاسم الطبراني ولأبي عبد الله بن منده وأمثالهم ، وكتاب الشريعة لأبي بكر الآجري ، والإبانة ، وكتاب الأصول لأبي عبد الله ابن بطة لأبي عبد الله الطلمنكي ، وكتاب رد ، وكتاب الرد على عثمان بن سعيد الدارمي الجهمية له وغير ذلك . فالأئمة الأربعة والسفيانان والحمادان وابنا أبي شيبة والليث بن سعد وابن أبي ذئب وربيعة بن أبي عبد الرحمن والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، وابن خزيمة وابن ماجه ، وابن حبان وأبو ثور ، وابن جريج والأوزاعي ، وابن الماجشون ، وابن أبي ليلى ، وأبو عبيد بن سلام ، ومسعر بن كدام الإمام إمام ومحمد بن يحيى الذهلي أهل خراسان بعد إسحاق بلا مدافعة ، ، وأبو حاتم الرازي ، وغير هؤلاء كلهم على عقيدة واحدة سلفية أثرية ، وإن كان الاشتهار للإمام ومحمد بن نصر المروزي - رضي الله عنه - للعلة التي ذكرناها ، حتى إن أحمد بن حنبل قال في كتابه - الإبانة في أصول الديانة - ما نصه بحروفه : " فإن قال قائل : قد أنكرتم قول الشيخ أبا حسن الأشعري المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة ، فعرفونا قولكم الذي به تقولون ، وديانتكم التي بها تدينون ، قيل له : قولنا الذي به نقول ، وديانتنا التي بها ندين ، التمسك بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ، فنحن بذلك معتصمون ، وبما كان عليه الإمام - نضر الله وجهه - قائلون ، ولمن خالف قوله مجانبون ; لأنه الإمام الفاضل ، والرئيس الكامل ، الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال ، وأوضح بها المنهاج ، وقمع به المبتدعين ، فرحمة الله عليه من إمام مقدم ، وكبير مفهم ، وعلى جميع أئمة المسلمين " . انتهى . فنسب المذهب إليه لاشتهاره بذلك ، مع أن سائر أئمة الدين سلكوا تلك المسالك ، وبالله التوفيق . أحمد بن حنبل