الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( ( والعلم ) ) أي علم الله تعالى ، ( ( والكلام ) ) أي كلامه سبحانه وتعالى ، أي كل واحد منهما قديم ، فعلمه تعالى واحد وجودي قديم باق ذاتي ، وكلامه تعالى قديم وجودي ذاتي ، ( ( قد تعلقا ) ) أي علم الله وكلامه أي كل واحد منهما قد تعلق ( ( بكل شيء ) ) من الأشياء من الجائزات والواجبات والمستحيلات ، فيجب شرعا أن يعلم أن علم الله غير متناه من حيث تعلقه ، إما بمعنى أنه لا ينقطع - وهو واضح - ، وإما بمعنى أنه لا يصير بحيث لا يتعلق بالمعلوم فإنه يحيط بما هو غير متناه كالأعداد والأشكال ، ونعيم الجنة ، فهو شامل لجميع المتصورات سواء كانت واجبة كذاته وصفاته ، أو مستحيلة كشريك له تعالى ، أو ممكنة كالعالم بأسره ، الجزيئات من ذلك والكليات ، على ما هي عليه من جميع ذلك ، وأنه واحد لا تعدد فيه ، ولا تكثر ، وإن تعددت معلوماته [ ص: 158 ] وتكثرت ، أما وجوب عموم تعلقه سمعا فمثل قوله تعالى والله بكل شيء عليم - عالم الغيب والشهادة لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض - يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور - يعلم ما يسرون وما يعلنون إلى غير ذلك من الآيات القرآنية .

وأما وجوب ذلك عقلا فلأن المقتضي للعالمية هو الذات ، إما بواسطة المعنى الذي هو العلم على ما هو مذهب الصفاتية والسلف ، وهو الحق ، أو بدونها على ما هو رأي النفاة ، والمقتضي للمعلومية إمكانها ، ونسبة الذات إلى الكل على السواء ، فلو اختصت عالميته بالبعض دون البعض لكان ذلك بمخصص ، وهو محال لامتناع احتياج الواجب في صفاته وسائر كمالاته إلى التخصيص لمنافاته لوجوب الوجود ، والغنى المطلق ، وأما وجوب وحدته فلأن الناس جملة وتفصيلا انحصروا في فريقين أحدهما أثبت العلم القديم مع وحدته ، والآخر نفاه ، ولم يذهب إلى تعدد علوم قديمة أحد يعتمد عليه إلا أبو سهل الصعلوكي من الأشاعرة حيث قال إن لله علوما لا نهاية لها كما أن متعلقاتها كذلك ، وهو محجوج بالإجماع السابق لمقالته .

فإن قيل كيف يستقيم القول بوحدة العلم مع كونه تعالى عالما بما كان ، وبما سيكون ، وبالكائن ، والعلم بذلك كذلك متغاير ؟ . فالجواب أن الباري جل شأنه في أزله يتعلق علمه بوجود الشيء مضافا إلى محله المعين فالمضي والحال والاستقبال من عوارض الأخبار عن تعلق علمه تعالى ، لا ظروف للعلم لأنه ليس بزماني حتى يوصف بالماضي والحاضر والمستقبل .

ومنشأ الشبهة من حيث الإخبار عن ذلك التعلق المخصوص بالقول اللفظي ، فإن تقدم زمن الإخبار عنه على زمن وجود ذلك الفعل ، سمي الإخبار مستقبلا ، وإن تأخر سمي ماضيا ، وإن قارن سمي حالا ، فهي مسميات تعرض باعتبار الإخبار عنه .

أما تعلق العلم بوجوده في الزمان المعين فشيء واحد . وبعض الأشاعرة جعل للعلم تعلقين : أزلي ، وتنجيزي كالقدرة والإدارة ، وقال : وتكون تلك الإخبارات راجعة للتعلق التنجيزي .

قلت : ومذهب السلف بمعزل عما يراد من هذا ، فإن الله تعالى قديم ، وصفاته قديمة ، وأفعاله قديمة ، وما يتخيل للعقل من أنواع التغيرات والتخالفات نسب وإضافات بالنسبة لإدراكاتنا ، والله تعالى الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية