( الثاني ) متعلق وجوب الإنكار الرؤية للمنكر وتحققه ، فلو كان مستورا فلم يروه ولكن علم به ، فالمذهب يجب عليه الإنكار لتحققه والمنصوص عن أنه لا يتعرض له ولا يفتش على ما استراب ، وقد روي عنه أنه يكسر المغطى إذا تحققه وهذا المعتمد ، وأما إذا سمع صوت ملهاة ولم يعلم مكانه فلا شيء عليه ، وأما الإمام أحمد فقد أنكره الأئمة مثل تسور الجدران على من علم اجتماعهم على منكر وغيره ، وهو داخل في التجسس المنهي عنه ، نعم قال سفيان الثوري في كتابه الأحكام السلطانية : إن القاضي أبو يعلى والقتل جاز التجسس والإقدام على الكشف والبحث حذرا من فوات استدراك انتهاك المحارم ، وإن كان دون ذلك في الرتبة لم يجز التجسس عليه ولا الكشف عنه . انتهى . كان في المنكر الذي غلب على ظنه الاستسرار به بإخبار ثقة عنه انتهاك حرمة يفوت استدراكها كالزنا
وحكمة عدم وجوب التفتيش مع وجود النصوص على التجسس أن المعاصي إذا خفيت إنما تضر من يعملها ، وإذا أعلنت ضرت العامة فأخرج من حديث الإمام أحمد عدي بن عميرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " " . وخرج إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه ، فإذا فعلوا [ ص: 434 ] ذلك عذب الله الخاصة والعامة أيضا الإمام أحمد من حديث وابن ماجه - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أبي سعيد الخدري " . وأخرجا من حديثه أيضا مرفوعا : " إن الله تعالى ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول : ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره ؟ فإذا لقن الله عبدا حجته قال : يا رب رجوتك وفرقت الناس " . لا يحقر أحدكم نفسه ، قالوا : يا رسول كيف يحقر أحدنا نفسه ؟ قال : يرى أمرا لله عليه فيه مقال ثم لا يقول فيه ، فيقول الله له يوم القيامة : ما منعك أن تقول في كذا وكذا ؟ فيقول خشية الناس ، فيقول : إياي كنت أحق أن تخشى
فهذا محمول على أن المانع له من الإنكار مجرد الهيبة دون الخوف المسقط للإنكار ، فإن أو القيد أو النفي أو أخذ المال ونحو ذلك من الأذى ، أو خاف مثل ذلك على أهله وجيرانه سقط وجوب الإنكار ، وقد نص على ذلك الأئمة منهم خاف على نفسه السيف أو السوط أو الحبس مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وغيرهم . قال وإسحاق بن راهويه : لا يتعرض للسلطان فإن سيفه مسلول . وقال الإمام أحمد ابن شبرمة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالجهاد يجب على الواحد أن يصابر فيه الاثنين ويحرم عليه الفرار منهما ولا يجب عليه مصابرة أكثر من ذلك . وأما مجرد خوف السب أو سماع الكلام السيئ فلا يسقط الإنكار - نص عليه ، وإن احتمل الأذى وقوي عليه فهو أفضل . نص عليه وقال : " الإمام أحمد " . وهذا رواه أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أبو داود وابن ماجه من حديث والترمذي أبي سعيد - رضي الله عنه - مرفوعا ، وخرج معناه في حديث ابن ماجه أبي أمامة .
وفي مسند البزار عن - رضي الله عنه - قال : قلت : يا رسول الله أي الشهداء أكرم على الله ؟ قال : " رجل قام إلى إمام جائر فأمره بمعروف ونهاه عن منكر فقتله أمين الأمة أبي عبيدة بن الجراح " ، وحديث : " " يدل على أنه علم أنه لا يطيق الأذى ولا يصبر عليه ، فلا يتعرض حينئذ للأمر والنهي ، وهذا حق وإنما الكلام فيمن علم من نفسه الصبر ، كذلك قاله الإمام أحمد وسفيان والفضيل بن عياض وغيرهم . لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه