وقد ظن بعض الناس أن التوكل ينافي
nindex.php?page=treesubj&link=19651الاكتساب وتعاطي الأسباب ، وأن الأمور إذا كانت مقدرة فلا حاجة إلى الأسباب ! وهذا فاسد ، فإن الاكتساب : منه فرض ، ومنه مستحب ، ومنه مباح ، ومنه
[ ص: 352 ] مكروه ، ومنه حرام ، كما قد عرف في موضعه . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المتوكلين ، يلبس لأمة الحرب ، ويمشي في الأسواق للاكتساب ، حتى قال الكافرون :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق [ الفرقان : 7 ] . ولهذا تجد كثيرا ممن يرى الاكتساب ينافي التوكل يرزقون على يد من يعطيهم ، إما صدقة ، وإما هدية ، وقد يكون ذلك من مكاس ، أو والي شرطة ، أو نحو ذلك ، وهذا مبسوط في موضعه ، لا يسعه هذا المختصر . وقد تقدمت الإشارة إلى بعض الأقوال التي في تفسير قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب [ الرعد : 39 ] .
وأما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=29كل يوم هو في شأن [ الرحمن : 29 ] قال
البغوي . قال
مقاتل : نزلت في
اليهود حين قالوا : إن الله لا يقضي يوم السبت شيئا ! قال المفسرون : من شأنه أنه يحيي ويميت ، ويرزق ، ويعز قوما ويذل آخرين ، ويشفي مريضا ، ويفك عانيا ، ويفرج مكروبا ، ويجيب داعيا ، ويعطي سائلا ، ويغفر ذنبا ، إلى ما لا يحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء .
قوله : ( وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه ، وما أصابه لم يكن ليخطئه ) . ش : هذا بناء على ما تقدم من أن المقدور كائن لا محالة ، ولقد أحسن القائل :
[ ص: 353 ] ما قضى الله كائن لا محاله والشقي الجهول من لام حاله
والقائل الآخر :
اقنع بما ترزق يا ذا الفتى فليس ينسى ربنا نمله
إن أقبل الدهر فقم قائما وإن تولى مدبرا نم له
وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ التَّوَكُّلَ يُنَافِي
nindex.php?page=treesubj&link=19651الِاكْتِسَابَ وَتَعَاطِيَ الْأَسْبَابِ ، وَأَنَّ الْأُمُورَ إِذَا كَانَتْ مُقَدَّرَةً فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْأَسْبَابِ ! وَهَذَا فَاسِدٌ ، فَإِنَّ الِاكْتِسَابَ : مِنْهُ فَرْضٌ ، وَمِنْهُ مُسْتَحَبٌّ ، وَمِنْهُ مُبَاحٌ ، وَمِنْهُ
[ ص: 352 ] مَكْرُوهٌ ، وَمِنْهُ حَرَامٌ ، كَمَا قَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ . وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ الْمُتَوَكِّلِينَ ، يَلْبَسُ لَأْمَةَ الْحَرْبِ ، وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لِلِاكْتِسَابِ ، حَتَّى قَالَ الْكَافِرُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ [ الْفُرْقَانِ : 7 ] . وَلِهَذَا تَجِدُ كَثِيرًا مِمَّنْ يَرَى الِاكْتِسَابَ يُنَافِي التَّوَكُّلَ يُرْزَقُونَ عَلَى يَدِ مَنْ يُعْطِيهِمْ ، إِمَّا صَدَقَةً ، وَإِمَّا هَدِيَّةً ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ مَكَّاسٍ ، أَوْ وَالِي شُرْطَةٍ ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ ، لَا يَسَعُهُ هَذَا الْمُخْتَصَرُ . وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى بَعْضِ الْأَقْوَالِ الَّتِي فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [ الرَّعْدِ : 39 ] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=29كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [ الرَّحْمَنِ : 29 ] قَالَ
الْبَغَوِيُّ . قَالَ
مُقَاتِلٌ : نَزَلَتْ فِي
الْيَهُودِ حِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْضِي يَوْمَ السَّبْتِ شَيْئًا ! قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَيَرْزُقُ ، وَيُعِزُّ قَوْمًا وَيُذِلُّ آخَرِينَ ، وَيَشْفِي مَرِيضًا ، وَيَفُكُّ عَانِيًا ، وَيُفَرِّجُ مَكْرُوبًا ، وَيُجِيبُ دَاعِيًا ، وَيُعْطِي سَائِلًا ، وَيَغْفِرُ ذَنْبًا ، إِلَى مَا لَا يُحْصَى مِنْ أَفْعَالِهِ وَإِحْدَاثِهِ فِي خَلْقِهِ مَا يَشَاءُ .
قَوْلُهُ : ( وَمَا أَخْطَأَ الْعَبْدَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ، وَمَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ ) . ش : هَذَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَقْدُورَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ :
[ ص: 353 ] مَا قَضَى اللَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَهْ وَالشَّقِيُّ الْجَهُولُ مَنْ لَامَ حَالَهْ
وَالْقَائِلُ الْآخَرُ :
اقْنَعْ بِمَا تُرْزَقُ يَا ذَا الْفَتَى فَلَيْسَ يَنْسَى رَبُّنَا نَمْلَهْ
إِنْ أَقْبَلَ الدَّهْرُ فَقُمْ قَائِمًا وَإِنْ تَوَلَّى مُدْبِرًا نَمْ لَهْ