، ويحصل من كلام هؤلاء المتحيرين . بل [ ص: 240 ] الواجب أن يجعل ما قاله الله ورسوله هو الأصل ، ويتدبر معناه ويعقله ، ويعرف برهانه ودليله إما العقلي وإما الخبري السمعي ، ويعرف دلالته على هذا وهذا ، ويجعل أقوال الناس التي توافقه وتخالفه متشابهة مجملة ، فيقال لأصحابها : هذه الألفاظ تحتمل كذا وكذا ، فإن أرادوا بها ما يوافق خبر الرسول قبل ، وإن أرادوا بها ما يخالفه رد . وهذا مثل لفظ المركب والجسم والمتحيز والجوهر والجهة والحيز والعرض ، ونحو ذلك . فإن هذه الألفاظ لم تأت في الكتاب والسنة بالمعنى الذي يريده أهل الاصطلاح ، بل ولا في اللغة ، بل هم يختصون بالتعبير بها عن معان لم يعبر غيرهم عنها بها ، فتفسر تلك المعاني بعبارات أخر ، وينظر ما دل عليه القرآن من الأدلة العقلية والسمعية ، وإذا وقع الاستفسار والتفصيل تبين الحق من الباطل . ومن المحال أن لا يحصل الشفاء والهدى والعلم واليقين من كتاب الله وكلام رسوله
مثال ذلك ، في التركيب . فقد صار له معان :
أحدها . التركيب من متباينين فأكثر . ويسمى : تركيب مزج ، كتركيب الحيوان من الطبائع الأربع والأعضاء ونحو ذلك ، وهذا المعنى منفي عن الله سبحانه وتعالى ، ولا يلزم من وصف الله تعالى بالعلو ونحوه من صفات الكمال ، أن يكون مركبا بهذا المعنى المذكور .
والثاني : تركيب الجوار ، كمصراعي الباب ونحو ذلك ، ولا يلزم أيضا من ثبوت صفاته تعالى إثبات هذا التركيب .
الثالث : التركيب من الأجزاء المتماثلة ، وتسمى : الجواهر المفردة .
[ ص: 241 ] الرابع : التركيب من الهيولى والصورة ، كالخاتم مثلا ، هيولاه : الفضة ، وصورته معروفة . قالوا : إن الجسم يكون مركبا من الجواهر المفردة ، ولهم كلام في ذلك يطول ، ولا فائدة فيه ، وهو أنه : هل يمكن التركيب من جزءين ، أو من أربعة ، أو من ستة ، أو من ثمانية ، أو ستة عشر ؟ وليس هذا التركيب لازما لثبوت صفاته تعالى وعلوه على خلقه . والحق أن الجسم غير مركب من هذه الأشياء ، وإنما قولهم مجرد دعوى ، وهذا مبسوط في موضعه . وأهل الكلام
الخامس : التركيب من الذات والصفات ، هم سموه تركيبا لينفوا به صفات الرب تعالى ، وهذا اصطلاح منهم لا يعرف في اللغة ، ولا في استعمال الشارع ، فلسنا نوافقهم على هذه التسمية ولا كرامة . ولئن سموا إثبات الصفات تركيبا ، فنقول لهم : العبرة للمعاني لا للألفاظ ، سموه ما شئتم ، ولا يترتب على التسمية بدون المعنى حكم ! فلو اصطلح على تسمية اللبن خمرا ، لم يحرم بهذه التسمية .
السادس : التركيب من الماهية ووجودها ، وهذا يفرضه الذهن أنهما غيران ، وأما في الخارج ، هل يمكن ذات مجردة عن وجودها ، ووجودها مجرد عنها ؟ هذا محال . فترى أهل الكلام يقولون : هل ذات الرب وجوده أم غير وجوده ؟ ولهم في ذلك خبط كثير . وأمثلهم طريقة رأي الوقف والشك في ذلك . وكم زال بالاستفسار والتفصيل كثير من الأضاليل والأباطيل .