لانتصاف شهر رمضان
الحمد لله الأحدي الذات ، العلي الصفات الجلي الآيات الوفي العدات ، رافع السماوات وسامع الأصوات ، عالم الخفيات ومحيي الأموات ، تنزه عن الآلات وتقدس عن الكيفيات ، وتعظم عن مشابهة المخلوقات ، جل عن الآباء والأمهات والبنات ، ثبت الأرض بالأطواد الراسيات ، وأحياها بعد موتها بالسحب الماطرات ، فإذا أرخت عزاليها ضحك باخضراره النبات ، وقالت المبتدعات بألسن الإشارات : اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات .
إذا بسط بساط العدل تزلزلت أقدام أهل الثبات ، وإذا نشر رداء الفضل غمر الذنوب الموبقات يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات .
حي بحياة تنزهت عن طارق الممات ، عالم بعلم واحد جميع المعلومات ، قادر بقدرة واحدة على جميع المقدورات ، أراد فلانت لهيبته صعاب المرادات ، وسمع فلم يعزب عن سمعه خفي الأصوات ، وأبصر سواد العين في أشد الظلمات ، استوى على العرش لا كاستواء المخلوقات ، وينزل إلى سماء الدنيا مروي بنقل عن الثقات ، ويراه المؤمنون في الجنة بالعيون الناظرات ، نصفه بالنقل المباين بصحته سقيم الشبهات ، من غير تكييف في الأوصاف ولا تشبيه في الذوات ، فهل علينا ملام أم هو طريق النجاة ، أحمده على جميع الحالات حمدا يدوم بدوام الأوقات ، وأقر بوحدانيته كافرا باللات ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالأدلة الواضحات ، صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبه الناهض يوم الردة على أقدام الثبات ، القائم بنصر الإسلام وقد قعد أهل العزمات ، القائل : أقاتلهم ولو لم أجد غير البنات ، وعلى أبي بكر العادل في القضيات ، كان إذا مشى فرق الشيطان من تلك الخطوات ، وعلى عمر المتهجد بالقرآن في الظلمات ، الصابر على الشهادة بأيدي العداة ، وعلى عثمان ذي المناقب العاليات ، المخصوص بأخوة الرسول دون ذوي القرابات ، وعلى عمه علي الذي بالسؤال به سالت عزالي السحب الماطرات . العباس
أيها الناس : إن شهركم هذا قد انتصف ، فهل فيكم من قهر نفسه وانتصف ، وهل [ ص: 474 ] فيكم من قام فيه بما عرف ، وهل تشوقت هممكم إلى نيل الشرف ، أيها المحسن فيما مضى منه دم ، وأيها المسيء وبخ نفسك على التفريط ولم ، إذا خسرت في هذا الشهر متى تربح ، وإذا لم تسافر فيه نحو الفوائد فمتى تبرح . كان يقول : كان يقال من لم يغفر له في رمضان فلن يغفر له ! قتادة
أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر البزار بسنده عن سلمة بن وردان قال : سمعت يقول : أنس بن مالك جبريل فقال : يا محمد رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك ، فقلت : آمين ، ثم قال : رغم أنف امرئ أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة ، فقلت : آمين ، ثم قال : ، فقلت : آمين . رغم أنف امرئ أدرك شهر رمضان فلم يغفر له ارتقى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال : آمين ، ثم ارتقى ثانية فقال آمين ، ثم استوى عليه فقال آمين ، فقال أصحابه : علام أمنت يا رسول الله ؟ فقال : أتاني
أخبرنا بسنده عن محمد بن عبد الباقي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك " هذا رمضان قد جاء ، تفتح فيه أبواب الجنات وتغلق فيه أبواب النار وتغل فيه الشياطين ، بعد امرؤ أدرك رمضان لم يغفر له ، إذا لم يغفر له فمتى ؟ ! " .
وبالإسناد عن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة " رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له " .
إذا الروض أمسى مجدبا في ربيعه ففي أي حين يستنير ويخصب
أخبرنا عبد الله بن علي المقري بسنده عن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة الأنصار : يا رسول الله وما خزيهم ؟ قال : من إضاعتهم شهر رمضان بانتهاك المحارم ، فمن عمل سوءا أو زنى أو سرق فلن يقبل منه شهر رمضان ، ولعنه الله عز وجل والملائكة إلى مثلها من الحول فإن مات قبل شهر رمضان فليستبشر بالنار ، فاتقوا شهر رمضان فإن الحسنات تضاعف فيه وكذلك السيئات " . " إن أمتي لن يخزوا أبدا ما أقاموا شهر رمضان ، فقال رجل من[ ص: 475 ] عباد الله إن شهركم هذا لا قيمة له ولا يمكن استدراك ما ضاع بالتفريط .
أخبرنا بسنده عن محمد بن عبد الباقي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة " . من أفطر يوما من رمضان من غير مرض ولا رخصة لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه "
قال : يحيى بن معين أبو المطوس اسمه عبد الله بن المطوس ثقة .
وذكر أبو بكر الآجري في كتاب النصيحة أن مذهب أن من إبراهيم النخعي كان عليه صوم ثلاثة آلاف يوم . شرب الخمر في رمضان
قال : وقال : عليه صوم شهر متتابع ، وقال سعيد بن المسيب الربيع بن أبي ربيعة بن عبد الرحمن : عليه صيام اثني عشر يوما ، لأن الله أوجب صيام شهر من اثني عشر شهرا .
أخبرنا بسنده عن هبة الله بن محمد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة آدم يضاعف : الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله ، يقول الله عز وجل : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشهوته من أجلي ، وللصائم فرحتان : فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك ، الصوم جنة " . أخرجاه في الصحيحين . كل عمل ابن
عباد الله : فرحة الحس عند الإفطار تناول الطعام ، وفرحة الإيمان بالتوفيق لإتمام الصيام . يا هذا قدم دستور الحساب قبل الغروب فإن وجدت خللا فارقعه برقعة استغفار ، فإذا جاء السحر فاعقد عقد الزهد في الدنيا عند نية الصوم ، وتجرع جرعة دمعة في إناء ركعة لعلك تطلع على خبايا خفايا ما أعد للصائمين من مستور فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون .
الكلام على البسملة
قل للمؤمل إن الموت في أثرك وليس يخفى عليك الأمر من نظرك
فيمن مضى لك إن فكرت معتبر ومن يمت كل يوم فهو من نذرك
دار تسافر عنها من غد سفرا فلا تؤوب إذا سافرت من سفرك
تضحي غدا سمرا للذاكرين كما كان الذين مضوا بالأمس من سمرك
باع قوم جارية قبيل رمضان ، فلما حصلت عند المشتري قال لها هيئي لنا ما يصلح للصوم ، فقالت لقد كنت قبلكم لقوم كل زمانهم رمضان ! .
لله در أقوام تفكروا فأبصروا ، ولاحت لهم الغاية فما قصروا ، وجعلوا الليل روح قلوبهم والصيام غذاء أبدانهم ، والصدق عادة ألسنتهم والموت نصب أعينهم .
كتب رجل إلى : عظني ، فكتب إليه ، أما بعد فاجعل الدنيا كيوم صمته عن شهوتك واجعل فطرك الموت فكأن قد صرت إليه ، فكتب إليه : زدني ، فكتب إليه : أما بعد فارض من الدنيا باليسير مع سلامة دينك كما رضي أقوام بالكثير مع ذهاب دينهم ، والسلام . داود الطائي
كان قد ورث من أبيه عشرين دينارا فأنفقها في عشرين سنة ، وكان جالسا في داره فإذا وقع سقف تقدم إلى موضع آخر إلى أن بقي دهليز الدار فمات فيه ، وتحت رأسه لبنة فدخل عليه داود الطائي فقال : اليوم ترى ثواب ما كنت تعمل ! . ابن السماك
ورآه بعض أصحابه في المنام فقال له : أوصني ، فقال : داو قروح باطنك بالجوع واقطع مفاوز الدنيا بالأحزان ، وآثر حب الله على هواك لا تبال متى تلقاه .
[ ص: 477 ] طوبى لعبد بالغ في حذاره ، واحتفر بكف فكره قبره قبل احتفاره ، وانتهب زمانه بأيدي بداره ، وأعذر في الأمر قبل شيب عذاره ، ولم يرض في زاده بتقليله واختصاره ، ورأى عيب الهوى فلم يصطل بناره ، ودافع الشهوات وصابر المكاره ، إن بحثت عنه رأيته صائم نهاره ، وإن سألت عن ليله فقائم أسحاره ، وإن تلمحته فالزفير في إصعاده والدمع في انحداره ، ولا يتناول من الدنيا إلا قدر اضطراره ، باعها فاشترى بها ما يبقى باختياره ، هل فيكم متشبه بهذا أو على نجاره ؟ .
يا حسنه ومصابيح النجوم تزهر والناس قد ناموا وهو في الخير يسهر ، غسل وجهه من ماء عينه وعين العين أطهر ، فلما قضى ورد الدجى جلس يتفكر ، فخطر على قلبه كيف يموت وكيف يقبر ، وتصور صحائفه كيف تطوى وكيف تنشر ، فهام قلبه في بوادي القلق وتحير ، فطلق الدنيا ثلاثا وهل يستوطن معبر .
طوى مدة من دهره دار زخرف إلى أبد ذي سندس وحرير
ألا تلكم الدار التي يحل أهلها بناء عن الخطب المخوف شطير
لهم ما اشتهوا فيها مسوقا إليهم مقودا إذا شاؤوا بغير جرير