269 - فصل
[ ] . كل من طعن في ديننا فهو من أئمة الكفر
وفي الآية دليل من وجه آخر وهو قوله تعالى : ( فقاتلوا أئمة الكفر ) وهم الذين نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في ديننا ، ولكن أقام الظاهر مقام المضمر بينهما على الوصف الذي استحقوا به المقاتلة كقوله : ( والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين ) ونظائره ، فدل على أن من نكث يمينه وطعن [ ص: 1386 ] في ديننا فهو من أئمة الكفر ، وإمام الكفر هو الداعي إليه المتبع فيه .
وإنما صار إماما في الكفر لأجل الطعن ، وإلا فإن مجرد النكث لا يوجب ذلك وهذا ظاهر ، فإن الطاعن في الدين يعيبه ويذمه ويدعو إلى خلافه ، وهذا شأن الإمام ، فإذا طعن الذمي في الدين كان إماما في الكفر فيجب قتاله .
وقوله : ( إنهم لا أيمان لهم ) علة أخرى لقتاله ، فأما على قراءة الكسر فتكون الآية قد تضمنت ذكر المقتضي للقتال - وهو نكث العهد والطعن في الدين - وبيان عدم المانع من القتال وهو الإيمان العاصم .
وأما على قراءة فتح الألف فالأيمان جمع يمين ، وهي أحسن القراءتين ؛ لأنه قد تقدم في أول الآية قوله : ( وإن نكثوا أيمانهم ) فأخبر سبحانه عن سبب القتال - وهو نكث الأيمان والطعن في الدين - ثم أخبر أنه لا أيمان لهم تعصمهم من القتل لأنهم قد نكثوها .
والمراد بالأيمان هنا العهود لا القسم بالله ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقاسمهم بالله عام الحديبية وإنما عاهدهم ، ونسخة الكتاب محفوظة ليس فيها قسم ، وهذا لأن كلا من المتعاهدين يمد يمينه إلى الآخر ، ثم صار مجرد الكلام بالعهد يسمى يمينا ، وإن لم يحصل فيه مد اليمين .
وقد قيل : سمي العهد يمينا ؛ لأن اليمين هي القوة والشدة ، كما قال تعالى : ( لأخذنا منه باليمين ) ولما كان الحلف معقودا مشدودا سمي [ ص: 1387 ] يمينا ، فاسم اليمين جامع للعهد الذي بين العبد وبين ربه وإن كان نذرا ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " النذر حلفة " وللعهد الذي بين المخلوقين ، ومنه قوله تعالى : ( ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ) فالنهي عن [ نقض ] العهود وإن لم يكن فيها قسم ، وقال تعالى : ( ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) وإن لم يكن هناك قسم ، ومنه قوله تعالى : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) [ ص: 1388 ] معناه : تتعاهدون وتتعاقدون به ، والمقصود أن كل من طعن في ديننا بعد أن عاهدناه عهدا يقتضي ألا يفعل ذلك ، فهو إمام في الكفر لا يمين له فيجب قتله بنص الآية ، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين الناكث الذي ليس بإمام في الكفر ، وهو من خالف بفعل شيء مما صولح عليه .