وأنشدني الكريزي:
إذا نلت الإمارة فاسم فيها إلى العلياء بالعمل الوثيق بمحض خليقة لا عيب فيها
وليس المحض كاللبن المذيق ولا تك عندها حلوا فتحسى
ولا مرا فتنشب في الحلوق وكل إمارة إلا قليلا
مغيرة الصديق عن الصديق
قال - رضي الله عنه - : أبو حاتم لأن من كتم السلطان نصيحته، والأطباء مرضه، والإخوان بشه، فقد خان نفسه، ومن يصحب السلطان لا ينج من الآثام، كما أن راكب العجل لا يأمن العثار، ولا يجب أن يأمن غضب السلطان إن صدقه، ولا عقوبته إن كذبه، ولا يجترئ عليه وإن أدناه؛ لأن الحازم العاقل لا يشرب السم؛ اتكالا على ما عنده من الترياق والأدوية. من صحب السلطان فلا يجب أن يكتمه نصيحته؛
وإني لأستحب لمن امتحن بصحبة السلطان أن يعلمه لزوم تقوى الله والعمل الصالح، كأنه يتعلم منه، ويؤدبه كأنه يتأدب به، ويتقي سخطاته، والسخط إذا كان من علة كان الرضا عنه موجودا، وإذا كان من غير علة ينقطع حينئذ الرجاء، ولا يجب أن يعلم كل ما تأتي الملوك من أمورها؛ لأن في معرفتهم إياها بعض الفتنة، [ ص: 275 ] وهيهات! من ذا صحب السلطان فلم يفتتن، ومن اتبع الهوى فلم يعطب؟ إن الشجرة الحسنة ربما كان سبب هلاكها طيب ثمرتها، وربما كان ذنب الطاووس الذي فيه جماله سبب حتفه؛ لأنه يثقله حتى يمنعه من الهرب، ومن صحب السلطان لم يأمن التغير على نفسه؛ لأن الأنهار إنما تكون عذبة ما لم تنصب إلى البحور، فإذا وقعت في البحور ملحت، على أن قعود العلماء عن أبواب الملوك زيادة في نور علمهم، وكثرة غشيانهم إياهم غشاوة على قلوبهم، ومن صحب الملوك لم يأمن تغيرهم، ومن زايلهم لم يأمن تفقدهم، وإن قطع الأمور دونهم لم يأمن فيها مخالفتهم، وإن عزم على شيء لم يجد بدا من مؤامرتهم، وأسمج شيء بالملوك الحدة.