316 - ومما أحلناه على هذا الفصل مما تقدم : ، فيدعوهم الإمام إلى الحق فإن أبوا زجرهم ، ونهاهم عن إظهار البدع ، فإن أصروا ، سطا بهم عند امتناعهم عن قبول الطاعة ، وقاتلهم مقاتلة البغاة ، وهذا يطرد في كل جمع يعتزون إلى أهل الإسلام ، إذا سلوا أيديهم عن ربقة الطاعة . القول في أهل البدع إذا كثروا
وإن ضمنوا للإمام أن لا يظهروا البدع ، وعلم الإمام أنهم سيبثون الدعوة سرا ، ويجرون إلى عامة الخلق شرا ، وإن لم يتظاهروا بها جهرا ، فيحرص الإمام أن يظهر منهم على خافية ، بعد تقديم الإنذار إليهم ، ثم يتناهى في تعزير من كان كذلك . فإن جانبوا الائتلاف ، وأبدوا صفحة الخلاف ، وتميزوا عن الجماعة ، وتجمعوا للخروج عن ربط الطاعة ، نصب عليهم القتال إذا امتنعوا ، وإن علم أنهم لكثرتهم ، وعظم شوكتهم لا يطاقون .
[ ص: 216 ] فالقول فيهم كالقول في الباغي إذا استحفل شأنه ، وتمادى زمانه ، وغلب على ظن الإمام أنه لو صادفه ، ودافعه بمن معه ، لاصطلم الباغي أتباعه وأشياعه ، ولم يستفد بلقائه إلا فرط عنائه ، واستئصال أوليائه .
317 - فالوجه أن يداري ويستعد جهده ، فإن سقطت منة الإمام بالكلية ، فهذا إمام سقطت طاعته ، وقد تقدم الكلام في ذلك في صفات الأئمة .
318 - فهذا بيان القول في مقاتلة فرق المسلمين ، وتتمة الكلام فيه أن اجتهاد الإمام إذا أدى إلى حكم في مسألة مظنونة ، ودعا إلى موجب اجتهاده قوما فيتحتم عليهم متابعة الإمام ، فإن أبوا قاتلهم الإمام ، كما قاتل - رضي الله عنه - مانعي الزكاة ، في القصة المعروفة ، ثم قتاله إياهم لا يعتمد ظنا ، فإنه لا يسوغ تعريض المسلمين للقتل من الفئتين على ظن وحدس ، وتخمين نفس ، بل يجب اتباع الإمام قطعا فيما يراه من المجتهدات ; فيرتب القتال على أمر مقطوع به ، وهو تحريم مخالفة الإمام في الأمر [ ص: 217 ] الذي دعا إليه ، وإن كان أصله مظنونا ، ولو لم يتعين إتباع الإمام في مسائل التحري لما تأتي فصل الخصومات في المجتهدات ، ولاستمسك كل خصم بمذهبه ومطلبه ، وبقي الخصماء في مجال خلاف الفقهاء مرتبكين في خصومات لا تنقطع ، ومعظم حكومات العباد في موارد الاجتهاد . الصديق
قد نجز مقدار غرضنا من نصب القتال على المارقين المنافقين على الإمام .