555 - حدثنا ثنا سليمان بن أحمد عمرو بن محمد بن الصباح قال ثنا ثنا يحيى بن عبد الله عن أبو بكر بن أبي مريم سعيد بن عمرو الأنصاري عن أبيه :
قال : فكان من ابن عباس أن كل دابة كانت دلالات حمل النبي صلى الله عليه وسلم لقريش نطقت تلك الليلة وقالت : حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم ورب الكعبة ، وهو أمان الدنيا وسراج أهلها ، ولم يبق كاهنة من قريش ولا قبيلة من قبائل العرب إلا حجبت عن صاحبتها ، وانتزع علم الكهنة ، ولم يكن سرير ملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا ، والملك مخرسا لا ينطق يومه ذلك ، ومرت وحوش المشرق إلى وحوش المغرب بالبشارات ، وكذلك البحار يبشر بعضهم بعضا به ، في كل شهر من شهوره ، نداء في الأرض ونداء في السماء : أن أبشروا فقد آن لأبي القاسم أن يخرج إلى الأرض ميمونا مباركا فكانت أمه تحدث عن نفسها وتقول : أتاني آت حين مر بي من حمله ستة أشهر فوكزني برجله في المنام وقال : يا آمنة إنك قد حملت بخير العالمين طرا ، فإذا ولدتيه فسميه محمدا ، واكتمي شأنك . قال : فكانت تقول : لقد أخذني ما يأخذ النساء ولم يعلم بي أحد من القوم ذكر ولا [ ص: 611 ] أنثى ، وإني لوحيدة في المنزل ، وعبد المطلب في طوافه ، قالت : فسمعت وجبة شديدة وأمرا عظيما ، فهالني ذلك ، وذلك يوم الاثنين ، فرأيت كأن جناح طير أبيض قد مسح على فؤادي فذهب عني كل رعب ، وكل فزع ووجع كنت أجده ، ثم التفت ، فإذا أنا بشربة بيضاء وظننتها لبنا ، وكنت عطشى ، فتناولتها فشربتها ، فأضاء مني نور عال ، ثم رأيت نسوة كالنخل الطوال كأنهن بنات عبد المطلب يحدقن بي ، فبينا أنا أعجب وأقول : واغوثاه ، من أين علمن بي هؤلاء ، واشتد بي الأمر وأنا أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم وأهول ، فإذا أنا بديباج أبيض قد مد بين السماء والأرض ، وإذا قائل يقول : خذوه عن أعين الناس ، قالت : ورأيت رجالا قد وقفوا في الهواء بأيديهم أباريق فضة ، وأنا يرشح مني عرق كالجمان ، أطيب ريحا من المسك الأذفر ، وأنا أقول يا ليت عبد المطلب قد دخل علي ، وعبد المطلب عني ناء ، قالت : فرأيت قطعة من الطير قد أقبلت من حيث لا أشعر حتى غطت حجرتي ، مناقيرها من الزمرد ، وأجنحتها من اليواقيت ، فكشف لي عن بصري فأبصرت ساعتي مشارق الأرض ومغاربها ، ورأيت ثلاث أعلام مضروبات ، علم في المشرق ، وعلم في المغرب ، وعلم على ظهر الكعبة ، وأخذني المخاض ، واشتد بي الأمر جدا ، فكنت كأني مستندة إلى أركان النساء ، وكثرن علي ، حتى كأن الأيدي معي في البيت وأنا لا أرى شيئا ، فولدت محمدا صلى الله عليه وسلم ، فلما خرج من بطني درت فنظرت إليه ، فإذا أنا به ساجد قد رفع إصبعيه كالمتضرع المبتهل ، ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء تنزل حتى غشيته ، فغيب عن وجهي فسمعت مناديا يقول : طوفوا بمحمد صلى الله عليه وسلم شرق الأرض وغربها وأدخلوه البحار كلها [ ص: 612 ] ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ويعلموا أنه سمي فيها الماحي ، لا يبقى شيء من الشرك إلا محي به في زمنه ، ثم تجلت عنه في أسرع وقت ، فإذا به مدرج في ثوب صوف أبيض أشد بياضا من اللبن ، وتحته حريرة خضراء ، قد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب الأبيض وإذا قائل يقول : قبض محمد على مفاتيح النصر ، ومفاتيح الريح ، ومفاتيح النبوة .
ولمولده صلى الله عليه وسلم وقع الآيات العجيبة مما روي مما تقدم ذكره في موضعه ، منها ما قاله اليهودي الذي قدم مكة تاجرا في الليلة التي ولد فيها ، إنه ولد في هذه الليلة نبي هذه الأمة ، به شامة بين كتفيه فيها شعرات متواليات ، لا يرضع ليلتين ، فعجب القوم من حديثه فقاموا حتى دخلوا على آمنة فقالوا : أخرجي ابنك ، فنظر إليه وإلى الشامة بين كتفيه ، فخر اليهودي مغشيا عليه ، فلما أفاق قالوا له : ما لك ؟ قال : ذهبت والله نبوة بني إسرائيل ، وخرج الكتاب من أيديهم ، وهذا المولود يقتلهم ، ويبين أخبارهم ، وليسطون بكم يا معشر العرب .
وحجب الشيطان في تلك الليلة من استراق السمع ورموا بالشهب ، ونطقت الكهان والسحرة مثل " شق " و " سطيح " وعظماء الملوك بما رأت في تلك الليلة ، ككسرى ، وارتجاس إيوانه ، وخمود النيران ، وغيض الماء ، وفيض الأودية ، ورؤيا المؤبذان ، كما تقدم ذكره بأسانيد في باب مولده صلى الله عليه وسلم .
وأما قوله تعالى ورحمة منا - فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصفه الله تعالى بأعم الرحمة وأكملها فقال وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين . [ ص: 613 ]
107 - فمن صدقه وآمن به فإنه يرحمه الله تعالى في الدارين ، ومن لم يصدقه أمن في حياته مما عوقب به المكذبون من الأمم ، الخسف والمسخ والقذف ، وقد تقدم بيان هذا .
فإن قلت : إن عيسى كان يخلق من الطين كهيئة الطير فيكون طيرا بإذن الله تعالى .
قلنا : إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم نظيره ، فإن عكاشة بن محصن انقطع سيفه يوم بدر ، فدفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذلا من حطب وقال : قاتل بهذا ، فعاد في يده سيفا شديد المتن ، أبيض الحديد ، طويل القامة ، فقاتل به حتى فتح الله تعالى على المسلمين ، ثم لم يزل يشهد به المشاهد إلى أيام الردة ، فالمعنى الذي به أمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصير الخشبة حديدا ، ويبقى على الأيام ، هو المعنى الذي خلق به عيسى من الطين كهيئة الطير ، ثم استماع التسبيح والتقديس والتهليل من الحجر الصم في يده ، وشهادة الأحجار والأشجار له بالنبوة ، وأمره للأشجار بالاجتماع والالتزاق والافتراق ، كل ذلك جانس إحياء الموتى ، وطيران المصور من الطير كهيئة الطير .
فإن قيل : إن عيسى كان يبرئ العميان والأكمه والأبرص بإذن الله .
قلنا : إن ندرت حدقته يوم قتادة بن النعمان أحد من طعنة ، أصيب في عينه ، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها فكان لا يدري أي عينيه أصيب ، وكان أحسن عينيه وأحدهما ، وقد تقدم ذكره بإسناده . [ ص: 614 ]