411 - حدثتنا أم الضحاك بنت أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل ، بالبصرة في دار رحمه الله ، قالت : حدثنا أبي عاصم النبيل أبي أحمد بن عمرو ، قال : قال بعض أصحابنا من أهل العلم : الجهمية ومن ضاهى قولها بثلاثمائة آية من كتاب الله عز وجل وبألف حديث أو نحو ذلك من [ ص: 134 ] صحاح الأحاديث التي رواها الثقات المأمونون ، لا يختلف أهل العلم والحديث في صحتها " فاحذروا يا إخواني رحمكم الله مذاهب " كفرت الجهمية أعداء الله فإنهم أهل شرك وكفر صراح ، واعلموا أن مذاهبهم قد اشتملت على صنوف من الكفر ، وأحاطت بأنواع من الزندقة مفرطة قبيحة ، وذلك أنه مالت بهم الأهواء ، وعدلت بهم الآراء عن محكم القرآن ، وما بينه الله في كتابه ، وما شرحه وأوضحه رسول رب العالمين في سنته ، والمأثور عن صحابته المنتجبين رحمة الله عليهم أجمعين ، وما كان عليه الإجماع من فقهاء المسلمين رحمة الله عليهم أجمعين ، فقالوا آيات من القرآن على آرائهم ، ودفعوا السنن وأبطلوها ، وجحدوا آيات من القرآن وأنكروها ، فقالوا : إن القرآن مخلوق ، مضاهاة لمن قال بذلك ، وسبق إليه من إخوانهم وأسلافهم عبدة الأوثان من المشركين حين قالوا : إن هذا إلا قول البشر ، : إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون . وأنكروا رؤية الله تعالى بالأبصار في الآخرة ، وأنكروا أن يكون لله تعالى وجه مع قوله : ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ، وأن يكون له يدان مع قوله : لما خلقت بيدي [ ص: 135 ] وأنكروا شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر ، وجحدوا علم الله تعالى وقدرته مع قوله : أنزله بعلمه ، وقوله : فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وقوله : وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ، وقوله : أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة . وزعموا أنهم يقدرون على ما لا يوصف الله بالقدرة عليه ، ويخلقون ما لا يخلقه الله اتباعا منهم لمن أنكر عليه بقوله : ونفوا عن الله الصفات التي نطق بها القرآن ونزل بها الفرقان ، من السمع ، والبصر ، والحلم ، والرضا ، والغضب ، والعفو ، والمغفرة ، والصفح ، والمحاسبة ، والمناقشة ، وأثبتوا لأنفسهم من القدرة والاستطاعة والتمكن ما لم يثبتوه لخالقهم ، أم جعلوا لله شركاء [ ص: 136 ] خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم وزعموا أنهم يفعلون ويقدرون على ما لا يفعله ولا يقدره ، ويريدون ويشاؤون ما يستحيل أن يكون من تدبير الله ومشيئته . ويزعمون أنهم يريدون لأنفسهم ما لا يريده الله ولم يشأه لهم خالقهم ، فيكون ما يريدون ولا يكون ما يريده ربهم ، وأن الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا يريد كون أشياء من تقديرهم وأفعالهم ، فيكون ما يكرهه وما لا يشاؤه فيأتون ما يشاؤون ويريدون مراغمة له فيما لا يشاؤه ويكرهه وإبطالا لمشيئته لما أجمع عليه المسلمون من أن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لا يكون ، فردوا قول الله : ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ، وقوله : ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ، وقوله : ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ، وقوله : وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ، ومثل ذلك مما قد بيناه فيما قد مضى في كتابنا هذا . وكانت الجهمية والمعتزلة الملحدة الضالة بإنكارهم مشيئة الله ، وجحدهم قدرة الله ، وتكذيبهم بصفاته ، وإبطالهم لأسمائه كمن سلف من [ ص: 137 ] إخوانهم من صنوف الملحدة والمشركين ، ومن الثنوية الذين قالوا : إلهين وخالقين ، أحدهما يخلق الخير ، والآخر يخلق الشر ، حين أكذبهم الله بقوله : ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ، فأثبتت الجهمية المعتزلة الملعونة آلهة كثيرة لا يحصون عددا ، ولا يفنون إلى يوم القيامة أبدا ، حين زعموا أن كل أحد يستطيع أن يفعل باستطاعته ما يشاء باستطاعة فيه باقية ، وقدرة دائمة ، فأوجبوا الاستغناء عن الله وترك الافتقار إليه فيما أمرهم به ونهاهم عنه ، وزعموا أنهم يقدرون على فعل ما علم الله أنهم لا يفعلونه وعلى ترك فعل ما علم الله أنهم يفعلونه وزعموا أن الجنة تفنى وتبيد ويزول نعيمها ، وأن النار تزول وينقطع عذابها ردا لما نص الله عليه في كتابه من الآيات التي تكثر على الإحصاء من دوام الدارين وبقاء أهلها فيهما ، مثل قوله : أكلها دائم وظلها ، وكل ذلك يأتي ذكره في مواضعه وأبوابه إن شاء الله ، وإنما ذكرت هذه الأقوال من مذاهبهم ليعلم إخواننا ما قد اشتملت عليه مذاهب الجهمية المقبوحة المنبوحة من ألوان الضلال وصنوف الشرك وقبائح الأقوال ليجتنب الحدث [ ص: 138 ] ممن لا علم له مجالستهم وصحبتهم وألفتهم ، ولا يصغي إلى شيء من أقوالهم وكلامهم ، والله الموفق .