الباب الأول : في ترجيحات الطرق الموصلة ، والتعارض
[1] : إما أن يكون بين منقولين ، أو معقولين ، أو منقول ومعقول . فلنرسم في كل واحد قسما :
القسم الأول :
في
nindex.php?page=treesubj&link=22438التعارض الواقع بين منقولين ، والترجيح بينهما : منه ما يعود إلى السند ، ومنه ما يعود إلى المتن ، ومنه ما يعود إلى المدلول ، ومنه ما يعود إلى أمر من خارج .
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=22439ما يعود إلى السند : ما يعود إلى الراوي ، ومنه ما يعود إلى نفس الرواية ، ومنه ما يعود إلى المروي ، ومنه ما يعود إلى المروي عنه .
فأما ما يعود إلى الراوي : فمنه ما يعود إلى نفسه ، ومنه ما يعود إلى تزكيته .
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=22441ما يعود إلى نفس الراوي فترجيحات .
الأول : أن تكون رواة أحدهما أكثر من رواة الآخر ، فما رواته أكثر يكون مرجحا ، خلافا
للكرخي ؛ لأنه يكون أغلب على الظن من جهة أن احتمال وقوع الغلط والكذب على العدد الأكثر أبعد من احتمال وقوعه في العدد الأقل ، ولأن خبر كل واحد من الجماعة يفيد الظن .
ولا يخفى أن الظنون المجتمعة كلما كانت أكثر كانت أغلب على الظن حتى ينتهي إلى القطع .
ولهذا فإنه لما كان الحد الواجب بالزنا من أكبر الحدود وآكدها جعلت الشهادة عليه أكثر عددا من غيره ، وأن النبي - عليه السلام - لم يعمل بقول ذي اليدين : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355187أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ " حتى أخبره بذلك
أبو بكر وعمر ، ولم يعمل
أبو بكر بخبر
المغيرة [ ص: 243 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=10355443أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أطعم الجدة السدس حتى اعتضد بخبر
محمد بن مسلمة .
ولم يعمل
عمر بخبر
أبي موسى حتى اعتضد بخبر
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري .
الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=22466أن يكون راوي أحد الحديثين مشهورا بالعدالة والثقة بخلاف الآخر ، أو أنه أشهر بذلك فروايته مرجحة ؛ لأن سكون النفس إليه أشد ، والظن بقوله أقوى .
الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=22447أن يكون أحد الراويين أعلم وأضبط من الآخر ، أو أورع وأتقى ، فروايته أرجح ؛ لأنها أغلب على الظن .
الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=22478أن يكون أحد الراويين حالة روايته ذاكرا للرواية عن شيخه غير معتمد في ذلك على نسخة سماعه أو خط نفسه ، بخلاف الآخر فهو أرجح ؛ لأنه يكون أبعد من السهو والغلط .
الخامس :
nindex.php?page=treesubj&link=22440أن يكون أحد الراويين قد عمل بما روى ، والآخر خالف ما روى ، فمن لم يخالف روايته أولى لكونه أبعد عن الكذب ، بل هو أولى من رواية من لم يظهر منه العمل بروايته .
السادس :
nindex.php?page=treesubj&link=22440أن يكونا مرسلين ، وقد عرف من حال أحد الراويين أنه لا يروي من غير العدل كابن المسيب ونحوه ، بخلاف الآخر ، فرواية الأول تكون أولى .
[2] السابع :
nindex.php?page=treesubj&link=22451أن يكون راوي أحد الخبرين مباشرا لما رواه ، والآخر غير مباشر ، فرواية المباشر تكون أولى لكونه أعرف بما روى ، وذلك كرواية
أبي رافع أن النبي - عليه السلام -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355444نكح ميمونة وهو حلال [3] فإنه يرجح على رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=10355445أنه نكحها وهو حرام [4] ، لأن
أبا رافع كان هو السفير بينهما والقابل لنكاحها عن رسول الله .
الثامن :
nindex.php?page=treesubj&link=22450أن يكون أحد الراويين هو صاحب القصة ، كما روت
ميمونة أنها قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355446تزوجني رسول الله ونحن حلالان " فإنها تقدم على رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ؛ لكونها
[ ص: 244 ] أعرف بحال العقد من غيرها لشدة اهتمامها ، خلافا
للجرجاني من أصحاب
أبي حنيفة .
التاسع :
nindex.php?page=treesubj&link=22452أن يكون أحد الراويين أقرب إلى النبي - عليه السلام - حال سماعه من الآخر ، فروايته تكون أولى ، وذلك كرواية
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : إفراد النبي - عليه السلام - ، فإنها مقدمة على رواية من روى أنه قرن ؛ لأنه ذكر أنه كان تحت ناقته حين لبى النبي - عليه السلام - ، وأنه سمع إحرامه بالإفراد .
[5] العاشر :
nindex.php?page=treesubj&link=22443إذا كان أحد الراويين من كبار الصحابة والآخر من صغارهم فرواية الأكبر أرجح ؛ لأن الغالب أنه يكون أقرب إلى النبي - عليه السلام - حالة السماع لقوله - عليه السلام - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355447ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى ) ولأن محافظته على منصبه مما يوجب التحرز عن الكذب أكثر من الصغير .
الحادي عشر :
nindex.php?page=treesubj&link=22469إذا كان أحد الراويين متقدم الإسلام على الراوي الآخر فروايته أولى ؛ إذ هي أغلب على الظن لزيادة أصالته في الإسلام وتحرزه فيه .
[6] الثاني عشر :
nindex.php?page=treesubj&link=22444أن يكون أحد الراويين فقيها والآخر غير فقيه ، أو هو أفقه وأعلم بالعربية ، فخبره يكون مرجحا لكونه أعرف بما يرويه لتمييزه بين ما يجوز وما لا يجوز .
الثالث عشر :
nindex.php?page=treesubj&link=22440أن يكون أحد الراويين أفطن وأذكى وأكثر تيقظا من الآخر ، فروايته أولى لكثرة ضبطه .
الرابع عشر :
nindex.php?page=treesubj&link=22462أن يكون أحد الراويين روايته عن حفظ والآخر عن كتاب ، فالراوي عن الحفظ أولى لكثرة ضبطه .
الخامس عشر :
nindex.php?page=treesubj&link=22467إن كان أحد الراويين مشهور النسب بخلاف الآخر فروايته أولى ؛ لأن احترازه عما يوجب نقص منزلته المشهورة يكون أكثر .
السادس عشر :
nindex.php?page=treesubj&link=22468إذا كان في رواة أحد الخبرين من يلتبس اسمه باسم بعض الضعفاء بخلاف الآخر ، فالذي لا يلتبس اسمه أولى ؛ لأنه أغلب على الظن .
[ ص: 245 ] السابع عشر :
nindex.php?page=treesubj&link=22471أن يكون أحد الراويين قد تحمل الرواية في زمن الصبى ، والآخر في زمن بلوغه ، فرواية البالغ أولى لكثرة ضبطه .
وأما ما يعود إلى التزكية فترجيحات :
الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=22459أن يكون المزكي لأحد الراويين أكثر من الآخر ، أو أن يكون المزكى له أعدل وأوثق ، فروايته مرجحة ؛ لأنها أغلب على الظن .
الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=22440أن تكون تزكية أحدهما بصريح المقال ، والآخر بالرواية عنه أو بالعمل بروايته أو الحكم بشهادته ، فرواية من تزكيته بصريح المقال مرجحة على غيرها ؛ لأن الرواية قد تكون عمن ليس بعدل ، وكذلك العمل بما يوافق الرواية ، والشهادة قد تكون بغيرها ، وهو موافق لها ولا يكون ذلك بهما ، ولا كذلك التزكية بصريح المقال .
الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=22440أن تكون تزكية أحد الراويين بالحكم بشهادته ، والآخر بالرواية عنه ، فرواية المعمول بشهادته أولى ؛ لأن الاحتياط في الشهادة فيما يرجع إلى أحكام الجرح والتعديل أكثر منه في الرواية والعمل بها ، ولهذا قبلت رواية الواحد والمرأة دون شهادتهما ، وقبلت رواية الفروع مع إنكار الأصل لها على بعض الآراء ، ومن غير ذكر الأصل بخلاف الشهادة .
الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=22440أن تكون تزكية أحدهما بالعمل بروايته ، والآخر بالرواية عنه ، فالأول أرجح لأن الغالب من العدل أنه لا يعمل برواية غير العدل ، ولا كذلك في الرواية ؛ لأن كثيرا ما يروي العدل عمن لو سئل عنه لجرحه أو توقف في حاله .
وبالجملة ، فاحتمال العمل برواية غير العدل أقل من احتمال الرواية عن غير العدل ، واحتمال العمل بدليل غيره ، وإن كان قائما ، إلا أنه بعيد عن البحث التام مع عدم الاطلاع عليه .
وأما ما يعود إلى نفس الرواية فترجيحات :
الأول : أن يكون أحد الخبرين متواترا والآخر آحادا ، فالمتواتر لتيقنه أرجح من الآحاد لكونه مظنونا .
الثاني : أن يكون أحد الخبرين مسندا والآخر مرسلا ، فالمسند أولى لتحقق
[ ص: 246 ] المعرفة براويه ، والجهالة براوي الآخر ، ولهذا تقبل شهادة الفرع إذا عرف شاهد الأصل ، ولا تقبل إذا شهد مرسلا .
فإن قيل : الراوي إذا كان عدلا ثقة وأرسل الخبر ، فالغالب أن لا يكون إلا مع الجزم بتعديل من روى عنه ، وإلا كان ذلك تلبيسا على المسلمين وهو بعيد في حقه ، وهذا بخلاف ما إذا ذكر المروي عنه ، فإنه غير جازم بتعديله فكان المرسل أولى .
[7] قلنا : التلبيس إنما يلزم بروايته عمن لم يذكره إذا لم يكن لي نفس الأمر عدلا أن لو وجب اتباعه في قوله ، وإنما يجب اتباعه في قوله أن لو ظهرت عدالة الأصل ، وهو دور كيف وأنه لو كان ذلك تعديلا منه لكونه تعديلا مطلقا ، وإن كان مقبولا فإنما يقبل إذا كان مضافا إلى شخص معين لم يعرف بفسق .
وأما إذا كان غير معين فلا لاحتمال أن يكون بحيث لو عينه لاطلعنا من حاله على فسق قد جهله الراوي ، ثم ولو كان تعديلا مقبولا إلا أنه إذا كان مذكورا مشهور الحال ، وقد عدل بمثل ذلك التعديل أو أعلى منه كان قبول قوله أولى وأغلب على الظن ، وعدم جزم الراوي بعدالة المروي عنه إذا كان مصرحا به ، وجزمه بعدالة من سكت عن ذكره بعد أن ظهر تعديل المذكور بتعديل غيره لا يكون موجبا للترجيح ، بل من ظهرت عدالته بطريق متفق عليه يكون أولى ممن ظهرت عدالته بطريق مختلف فيه .
الثالث : أن يكون أحد الخبرين من مراسيل التابعين والآخر من مراسيل تابعي التابعين ، فما هو من مراسيل التابعين أولى ؛ لأن الظاهر من التابعي أنه لا يروي عن غير الصحابي ، وعدالة الصحابة بما ثبت من ثناء النبي - عليه السلام - وتزكيته لهم في ظواهر الكتاب والسنة أغلب على الظن من العدالة في حق غيرهم من المتأخرين ، ولهذا قال - عليه السلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355408خير القرون القرن الذي أنا فيه "
[8] ، وقال - عليه السلام - : "
أصحابي كالنجوم [ ص: 247 ] بأيهم اقتديتم اهتديتم "
[9] ولم يرو مثل ذلك في حق غيرهم .
الرابع : أن يكون أحدهما معنعنا ، وطريق ثبوت الآخر الشهرة مع عدم النكير ، أو الإسناد إلى كتاب من كتب المحدثين ، فالمعنعن أولى ؛ لأنه أغلب على الظن .
أما بالنسبة إلى الطريق الأول فلمساواته له في عدم النكير وزيادته عليه برواية العدل عن العدل .
وأما بالنسبة إلى الطريق الثاني : فلأنه أسلم من الغلط والتلبيس ، وأبعد عن التبديل والتصحيف .
الخامس : أن يكون أحدهما بطريق الشهرة والآخر بالإسناد إلى كتاب من كتب المحدثين ، فالمسند إلى كتب المحدثين أولى من جهة أن احتمال تطرق الكذب إلى ما دخل في صنعة المحدثين ، وإن لم يكن من كتبهم المشهورة بهم والمنسوبة إليهم أبعد من احتمال تطرقه إلى ما اشتهر . وهو غير منسوب إليهم ، ولهذا فإن كثيرا ما اشتهر مع كذبه ورد المحدثين له .
السادس : أن يكون أحدهما مسندا إلى كتاب موثوق بصحته ،
كمسلم nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري ، والآخر مسندا إلى كتاب غير مشهور بالصحة ولا بالسقم ، كسنن
أبي داود ونحوها ، فالمسند إلى الكتاب المشهور بالصحة أولى .
السابع : أن تكون رواية أحدهما بقراءة الشيخ عليه ، والآخر بقراءته هو على الشيخ أو بإجازته أو مناولته له أو بخط رآه في كتاب ، فما الرواية فيه بقراءة الشيخ أرجح ؛ لأنه أبعد عن غفلة الشيخ عما يرويه .
الثامن : أن تكون رواية أحدهما بالمناولة والآخر بالإجازة ، فالمناولة أولى ؛ لأن الإجازة غير كافية ، وهو أن يقول : " خذ هذا الكتاب وحدث به عني ، فقد سمعته من فلان ، وعند ذلك فتكون إجازة وزيادة ، والإجازة تكون راجحة على رؤية الخط في الكتاب ؛ لأن الخطوط مما تشتبه ، ولا احتمال في نسبة لفظه إليه بالإجازة .
وكذلك لو قال الشيخ : هذا خطي ، فالإجازة تكون أولى ؛ لأن دلالة لفظ الشيخ على الرواية عمن روى عنه أظهر من دلالة خطه عليها .
[ ص: 248 ] وإذا كانت الإجازة أولى من الرواية عن الخط ، والمناولة أولى من الإجازة كانت المناولة أولى من الرواية عن الخط .
التاسع : أن يكون أحد الخبرين أعلى إسنادا من الآخر ، فيكون أولى ؛ لأنه كلما قلت الرواة كان أبعد عن احتمال الغلط والكذب .
العاشر : أن يكون أحد الخبرين قد اختلف في كونه موقوفا على الراوي ، والآخر متفق على رفعه إلى النبي - عليه السلام - ، فالمتفق على رفعه أولى ؛ لأنه أغلب على الظن .
الحادي عشر : أن تكون رواية أحد الخبرين بلفظ النبي والآخر بمعناه ، فرواية اللفظ أولى لكونها أضبط وأغلب على الظن بقول الرسول .
الثاني عشر : أن تكون إحدى الروايتين بسماع من غير حجاب ، والأخرى مع الحجاب ، وذلك كرواية
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد [10] عن
عائشة من غير حجاب ؛ لكونها عمة له : أن
nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة عتقت وكان زوجها عبدا ، فإنها تقدم على رواية
أسود [11] عنها أن زوجها كان حرا لسماعه عنها مع الحجاب ؛ لأن الرواية من غير حجاب شاركت الرواية مع الحجاب في السماع ، وزادت تيقن عين المسموع منه .
الثالث عشر : إذا كانت إحدى الروايتين قد اختلفت دون الأخرى ، فالتي لا اختلاف فيها أولى لبعدها عن الاضطراب .
وأما ما يعود إلى المروي فترجيحات .
الأول : أن تكون رواية أحد الخبرين عن سماع من النبي - عليه السلام - ، والرواية الأخرى عن كتاب ، فرواية السماع أولى لبعدها عن تطرق التصحيف والغلط .
الثاني : أن تكون إحدى الروايتين عن سماع من النبي - عليه السلام - والأخرى عما جرى في مجلسه أو زمانه وسكت عنه ، فرواية السماع أولى لكونها أبعد عن غفلة النبي - عليه السلام - وذهوله ، بخلاف الرواية عما جرى في مجلسه وسكت عنه ، ( فرواية السماع ) أولى مما جرى في زمانه خارجا عن مجلسه .
[ ص: 249 ] الثالث : أن تكون إحدى الروايتين عما خطره مع السكوت عنه أعظم من خطر المسكوت عنه في الرواية الأخرى ، فما خطره أعظم يكون أرجح لكون السكوت عنه أغلب على الظن في تقريره .
الرابع : أن تكون إحدى الروايتين عن صيغة النبي - عليه السلام - والأخرى عن فعله ، فرواية الصيغة تكون راجحة لقوة دلالتها وضعف الفعل ، ولهذا أن من خالف في دلالة الفعل وجواز الاحتجاج به لم يخالف في الصيغ ؛ لأن ما يفعله النبي - عليه السلام - إلى الاختصاص به أقرب من اختصاصه بمدلول الصيغة ، ولأن تطرق الغفلة إلى الإنسان في فعله أكثر منها في كلامه ، ولهذا قلما يتكلم الإنسان غافلا بخلاف الفعل .
الخامس : أن يكون أحدهما خبر واحد ورد فيما تعم به البلوى بخلاف الآخر ، فما لا تعم به البلوى أولى لكونه أبعد عن الكذب من جهة أن تفرد الواحد بنقل ما تعم به البلوى مع توفر الدواعي على نقله قريب من الكذب ، وذلك كمن تفرد بنقل قتل الملك في وسط السوق بمشهد من الخلق ، ولهذا كان مختلفا فيه ومتفقا على مقابله .
وأما ما يعود إلى المروي عنه فترجيحات :
الأول : أن يكون أحد الراويين قد روى عمن أنكر روايته عنه كما في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري [12] بخلاف الراوي الآخر ، فما لم يقع فيه إنكار المروي عنه يكون أرجح لكونه أغلب على الظن .
الثاني : أن يكون الأصل في أحد الخبرين قد أنكر رواية الفرع عنه إنكار نسيان ووقوف ، والآخر إنكار تكذيب وجحود ، فالأول أولى ؛ لأن غلبة الظن بالرواية عنه أكثر من غلبة الظن بالثاني .
الْبَابُ الْأَوَّلُ : فِي تَرْجِيحَاتِ الطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ ، وَالتَّعَارُضِ
[1] : إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مَنْقُولِينَ ، أَوْ مَعْقُولَيْنِ ، أَوْ مَنْقُولٍ وَمَعْقُولٍ . فَلْنَرْسُمْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ قِسْمًا :
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ :
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=22438التَّعَارُضِ الْوَاقِعِ بَيْنَ مَنْقُولَيْنِ ، وَالتَّرْجِيحُ بَيْنَهُمَا : مِنْهُ مَا يَعُودُ إِلَى السَّنَدِ ، وَمِنْهُ مَا يَعُودُ إِلَى الْمَتْنِ ، وَمِنْهُ مَا يَعُودُ إِلَى الْمَدْلُولِ ، وَمِنْهُ مَا يَعُودُ إِلَى أَمْرٍ مِنْ خَارِجُ .
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=22439مَا يَعُودُ إِلَى السَّنَدِ : مَا يَعُودُ إِلَى الرَّاوِي ، وَمِنْهُ مَا يَعُودُ إِلَى نَفْسِ الرِّوَايَةِ ، وَمِنْهُ مَا يَعُودُ إِلَى الْمَرْوِيِّ ، وَمِنْهُ مَا يَعُودُ إِلَى الْمَرْوِيِّ عَنْهُ .
فَأَمَّا مَا يَعُودُ إِلَى الرَّاوِي : فَمِنْهُ مَا يَعُودُ إِلَى نَفْسِهِ ، وَمِنْهُ مَا يَعُودُ إِلَى تَزْكِيَتِهِ .
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=22441مَا يَعُودُ إِلَى نَفْسِ الرَّاوِي فَتَرْجِيحَاتٌ .
الْأَوَّلُ : أَنْ تَكُونَ رُوَاةُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ رُوَاةِ الْآخَرِ ، فَمَا رُوَاتُهُ أَكْثَرُ يَكُونُ مُرَجَّحًا ، خِلَافًا
لِلْكَرْخِيِّ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ احْتِمَالَ وُقُوعِ الْغَلَطِ وَالْكَذِبِ عَلَى الْعَدَدِ الْأَكْثَرِ أَبْعَدُ مِنِ احْتِمَالِ وُقُوعِهِ فِي الْعَدَدِ الْأَقَلِّ ، وَلِأَنَّ خَبَرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَمَاعَةِ يُفِيدُ الظَّنَّ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظُّنُونَ الْمُجْتَمِعَةَ كُلَّمَا كَانَتْ أَكْثَرَ كَانَتْ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْقَطْعِ .
وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَدُّ الْوَاجِبُ بِالزِّنَا مِنْ أَكْبَرِ الْحُدُودِ وَآكَدِهَا جُعِلَتِ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ عَدَدًا مِنْ غَيْرِهِ ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَعْمَلْ بِقَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355187أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ ؟ " حَتَّى أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَلَمْ يَعْمَلْ
أَبُو بَكْرٍ بِخَبَرِ
الْمُغِيرَةِ [ ص: 243 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=10355443أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْعَمَ الْجَدَّةَ السُّدُسَ حَتَّى اعْتَضَدَ بِخَبَرِ
مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ .
وَلَمْ يَعْمَلْ
عُمَرُ بِخَبَرِ
أَبِي مُوسَى حَتَّى اعْتَضَدَ بِخَبَرِ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ .
الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=22466أَنْ يَكُونَ رَاوِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ وَالثِّقَةِ بِخِلَافِ الْآخَرِ ، أَوْ أَنَّهُ أَشْهَرُ بِذَلِكَ فَرِوَايَتُهُ مُرَجَّحَةٌ ؛ لِأَنَّ سُكُونَ النَّفْسِ إِلَيْهِ أَشَدُّ ، وَالظَّنَّ بِقَوْلِهِ أَقْوَى .
الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=22447أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ أَعْلَمَ وَأَضْبَطَ مِنَ الْآخَرِ ، أَوْ أَوَرَعَ وَأَتْقَى ، فَرِوَايَتُهُ أَرْجَحُ ؛ لِأَنَّهَا أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ .
الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=22478أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ حَالَةَ رِوَايَتِهِ ذَاكِرًا لِلرِّوَايَةِ عَنْ شَيْخِهِ غَيْرَ مُعْتَمِدٍ فِي ذَلِكَ عَلَى نُسْخَةِ سَمَاعِهِ أَوْ خَطِّ نَفْسِهِ ، بِخِلَافِ الْآخَرِ فَهُوَ أَرْجَحُ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَبْعَدَ مِنَ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ .
الْخَامِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=22440أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ قَدْ عَمِلَ بِمَا رَوَى ، وَالْآخَرُ خَالَفَ مَا رَوَى ، فَمَنْ لَمْ يُخَالِفْ رِوَايَتَهُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَبْعَدَ عَنِ الْكَذِبِ ، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ الْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِ .
السَّادِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=22440أَنْ يَكُونَا مُرْسَلَيْنِ ، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ حَالِ أَحَدِ الرَّاوِيَيْنِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ كَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَنَحْوِهِ ، بِخِلَافِ الْآخَرِ ، فَرِوَايَةُ الْأَوَّلِ تَكُونُ أَوْلَى .
[2] السَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=22451أَنْ يَكُونَ رَاوِي أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ مُبَاشِرًا لِمَا رَوَاهُ ، وَالْآخَرُ غَيْرَ مُبَاشِرٍ ، فَرِوَايَةُ الْمُبَاشِرِ تَكُونُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَعْرَفَ بِمَا رَوَى ، وَذَلِكَ كَرِوَايَةِ
أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355444نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ [3] فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ عَلَى رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=10355445أَنَّهُ نَكَحَهَا وَهُوَ حَرَامٌ [4] ، لِأَنَّ
أَبَا رَافِعٍ كَانَ هُوَ السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا وَالْقَابِلَ لِنِكَاحِهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ .
الثَّامِنُ :
nindex.php?page=treesubj&link=22450أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ هُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ ، كَمَا رَوَتْ
مَيْمُونَةُ أَنَّهَا قَالَتْ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355446تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ وَنَحْنُ حَلَالَانِ " فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ لِكَوْنِهَا
[ ص: 244 ] أَعْرَفَ بِحَالِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِهَا لِشِدَّةِ اهْتِمَامِهَا ، خِلَافًا
لِلْجُرْجَانِيِّ مِنْ أَصْحَابِ
أَبِي حَنِيفَةَ .
التَّاسِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=22452أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ أَقْرَبَ إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَالَ سَمَاعِهِ مِنَ الْآخَرِ ، فَرِوَايَتُهُ تَكُونُ أَوْلَى ، وَذَلِكَ كَرِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ : إِفْرَادُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، فَإِنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ قَرَنَ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ تَحْتَ نَاقَتِهِ حِينَ لَبَّى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَأَنَّهُ سَمِعَ إِحْرَامَهُ بِالْإِفْرَادِ .
[5] الْعَاشِرُ :
nindex.php?page=treesubj&link=22443إِذَا كَانَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَالْآخَرُ مِنْ صِغَارِهِمْ فَرِوَايَةُ الْأَكْبَرِ أَرْجَحُ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ يَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَالَةَ السَّمَاعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355447لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ) وَلِأَنَّ مُحَافَظَتَهُ عَلَى مَنْصِبِهِ مِمَّا يُوجِبُ التَّحَرُّزَ عَنِ الْكَذِبِ أَكْثَرُ مِنَ الصَّغِيرِ .
الْحَادِي عَشَرَ :
nindex.php?page=treesubj&link=22469إِذَا كَانَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ مُتَقَدِّمَ الْإِسْلَامِ عَلَى الرَّاوِي الْآخَرِ فَرِوَايَتُهُ أَوْلَى ؛ إِذْ هِيَ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ لِزِيَادَةِ أَصَالَتِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَحَرُّزِهِ فِيهِ .
[6] الثَّانِي عَشَرَ :
nindex.php?page=treesubj&link=22444أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ فَقِيهًا وَالْآخَرُ غَيْرَ فَقِيهٍ ، أَوْ هُوَ أَفْقَهُ وَأَعْلَمُ بِالْعَرَبِيَّةِ ، فَخَبَرُهُ يَكُونُ مُرَجَّحًا لِكَوْنِهِ أَعْرَفَ بِمَا يَرْوِيهِ لِتَمْيِيزِهِ بَيْنَ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ .
الثَّالِثَ عَشَرَ :
nindex.php?page=treesubj&link=22440أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ أَفْطَنَ وَأَذْكَى وَأَكْثَرَ تَيَقُّظًا مِنَ الْآخَرِ ، فَرِوَايَتُهُ أَوْلَى لِكَثْرَةِ ضَبْطِهِ .
الرَّابِعَ عَشَرَ :
nindex.php?page=treesubj&link=22462أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ رِوَايَتُهُ عَنْ حِفْظٍ وَالْآخَرُ عَنْ كِتَابٍ ، فَالرَّاوِي عَنِ الْحِفْظِ أَوْلَى لِكَثْرَةِ ضَبْطِهِ .
الْخَامِسَ عَشَرَ :
nindex.php?page=treesubj&link=22467إِنْ كَانَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ مَشْهُورَ النَّسَبِ بِخِلَافِ الْآخَرِ فَرِوَايَتُهُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ احْتِرَازَهُ عَمَّا يُوجِبُ نَقْصَ مَنْزِلَتِهِ الْمَشْهُورَةِ يَكُونُ أَكْثَرَ .
السَّادِسَ عَشَرَ :
nindex.php?page=treesubj&link=22468إِذَا كَانَ فِي رُوَاةِ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ مَنْ يَلْتَبِسُ اسْمُهُ بَاسِمِ بَعْضِ الضُّعَفَاءِ بِخِلَافِ الْآخَرِ ، فَالَّذِي لَا يَلْتَبِسُ اسْمُهُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ .
[ ص: 245 ] السَّابِعَ عَشَرَ :
nindex.php?page=treesubj&link=22471أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ قَدْ تَحَمَّلَ الرِّوَايَةَ فِي زَمَنِ الصِّبَى ، وَالْآخَرُ فِي زَمَنِ بُلُوغِهِ ، فَرِوَايَةُ الْبَالِغِ أَوْلَى لِكَثْرَةِ ضَبْطِهِ .
وَأَمَّا مَا يَعُودُ إِلَى التَّزْكِيَةِ فَتَرْجِيحَاتٌ :
الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=22459أَنْ يَكُونَ الْمُزَكِّي لِأَحَدِ الرَّاوِيَيْنِ أَكْثَرَ مِنَ الْآخَرِ ، أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمُزَكَّى لَهُ أَعْدَلَ وَأَوْثَقَ ، فَرِوَايَتُهُ مُرَجَّحَةٌ ؛ لِأَنَّهَا أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ .
الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=22440أَنْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ أَحَدِهِمَا بِصَرِيحِ الْمَقَالِ ، وَالْآخَرُ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ أَوْ بِالْعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ أَوِ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ ، فَرِوَايَةُ مَنْ تَزْكِيَتُهُ بِصَرِيحِ الْمَقَالِ مُرَجَّحَةٌ عَلَى غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ تَكُونُ عَمَّنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ ، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ بِمَا يُوَافِقُ الرِّوَايَةَ ، وَالشَّهَادَةُ قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِهَا ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لَهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ بِهِمَا ، وَلَا كَذَلِكَ التَّزْكِيَةُ بِصَرِيحِ الْمَقَالِ .
الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=22440أَنْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ أَحَدِ الرَّاوِيَيْنِ بِالْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ ، وَالْآخَرُ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ ، فَرِوَايَةُ الْمَعْمُولِ بِشَهَادَتِهِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الشَّهَادَةِ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى أَحْكَامِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الرِّوَايَةِ وَالْعَمَلِ بِهَا ، وَلِهَذَا قُبِلَتْ رِوَايَةُ الْوَاحِدِ وَالْمَرْأَةِ دُونَ شَهَادَتِهِمَا ، وَقُبِلَتْ رِوَايَةُ الْفُرُوعِ مَعَ إِنْكَارِ الْأَصْلِ لَهَا عَلَى بَعْضِ الْآرَاءِ ، وَمِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ .
الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=22440أَنْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ أَحَدِهِمَا بِالْعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ ، وَالْآخَرُ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ ، فَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنَ الْعَدْلِ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِرِوَايَةِ غَيْرِ الْعَدْلِ ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مَا يَرْوِي الْعَدْلُ عَمَّنْ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ لَجَرَحَهُ أَوْ تَوَقَّفَ فِي حَالِهِ .
وَبِالْجُمْلَةِ ، فَاحْتِمَالُ الْعَمَلِ بِرِوَايَةِ غَيْرِ الْعَدْلِ أَقَلُّ مِنِ احْتِمَالِ الرِّوَايَةِ عَنْ غَيْرِ الْعَدْلِ ، وَاحْتِمَالُ الْعَمَلِ بِدَلِيلِ غَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا ، إِلَّا أَنَّهُ بَعِيدٌ عَنِ الْبَحْثِ التَّامِّ مَعَ عَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا مَا يَعُودُ إِلَى نَفْسِ الرِّوَايَةِ فَتَرْجِيحَاتٌ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ مُتَوَاتِرًا وَالْآخَرُ آحَادًا ، فَالْمُتَوَاتِرُ لِتَيَقُّنِهِ أَرْجَحُ مِنَ الْآحَادِ لِكَوْنِهِ مَظْنُونًا .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ مُسْنَدًا وَالْآخَرُ مُرْسَلًا ، فَالْمُسْنَدُ أَوْلَى لِتَحَقُّقِ
[ ص: 246 ] الْمَعْرِفَةِ بِرَاوِيهِ ، وَالْجَهَالَةِ بِرَاوِي الْآخَرِ ، وَلِهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ إِذَا عُرِفَ شَاهِدُ الْأَصْلِ ، وَلَا تُقْبَلُ إِذَا شَهِدَ مُرْسَلًا .
فَإِنْ قِيلَ : الرَّاوِي إِذَا كَانَ عَدْلًا ثِقَةً وَأَرْسَلَ الْخَبَرَ ، فَالْغَالِبُ أَنْ لَا يَكُونَ إِلَّا مَعَ الْجَزْمِ بِتَعْدِيلِ مَنْ رَوَى عَنْهُ ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ تَلْبِيسًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ بَعِيدٌ فِي حَقِّهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا ذَكَرَ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ جَازِمٍ بِتَعْدِيلِهِ فَكَانَ الْمُرْسَلُ أَوْلَى .
[7] قُلْنَا : التَّلْبِيسُ إِنَّمَا يَلْزَمُ بِرِوَايَتِهِ عَمَّنْ لَمْ يَذْكُرْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِي نَفْسُ الْأَمْرِ عَدْلًا أَنْ لَوْ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ فِي قَوْلِهِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فِي قَوْلِهِ أَنْ لَوْ ظَهَرَتْ عَدَالَةُ الْأَصْلِ ، وَهُوَ دَوْرٌ كَيْفَ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ تَعْدِيلًا مِنْهُ لِكَوْنِهِ تَعْدِيلًا مُطْلَقًا ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُولًا فَإِنَّمَا يُقْبَلُ إِذَا كَانَ مُضَافًا إِلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يُعْرَفْ بِفِسْقٍ .
وَأَمَّا إِذَا كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ عَيَّنَهُ لَاطَّلَعْنَا مِنْ حَالِهِ عَلَى فِسْقٍ قَدْ جَهِلَهُ الرَّاوِي ، ثُمَّ وَلَوْ كَانَ تَعْدِيلًا مَقْبُولًا إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَذْكُورًا مَشْهُورَ الْحَالِ ، وَقَدْ عَدَلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ التَّعْدِيلِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ كَانَ قَبُولُ قَوْلِهِ أَوْلَى وَأَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ ، وَعَدَمُ جَزْمِ الرَّاوِي بِعَدَالَةِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ إِذَا كَانَ مُصَرَّحًا بِهِ ، وَجَزْمِهِ بِعَدَالَةِ مَنْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِهِ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ تَعْدِيلُ الْمَذْكُورِ بِتَعْدِيلِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلتَّرْجِيحِ ، بَلْ مَنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ بِطَرِيقٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ يَكُونُ أَوْلَى مِمَّنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ بِطَرِيقٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ مِنْ مَرَاسِيلِ التَّابِعِينَ وَالْآخَرُ مِنْ مَرَاسِيلِ تَابِعِي التَّابِعِينَ ، فَمَا هُوَ مِنْ مَرَاسِيلِ التَّابِعِينَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ التَّابِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَرْوِي عَنْ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ ، وَعَدَالَةُ الصَّحَابَةِ بِمَا ثَبَتَ مِنْ ثَنَاءِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَزْكِيَتِهِ لَهُمْ فِي ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ مِنَ الْعَدَالَةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355408خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ "
[8] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : "
أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ [ ص: 247 ] بِأَيِّهُمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ "
[9] وَلَمْ يُرْوَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ .
الرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُعَنْعَنًا ، وَطَرِيقُ ثُبُوتِ الْآخَرِ الشُّهْرَةُ مَعَ عَدَمِ النَّكِيرِ ، أَوِ الْإِسْنَادُ إِلَى كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ ، فَالْمُعَنْعَنُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ .
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ فَلِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي عَدَمِ النَّكِيرِ وَزِيَادَتِهِ عَلَيْهِ بِرِوَايَةِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ .
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي : فَلِأَنَّهُ أَسْلَمُ مِنَ الْغَلَطِ وَالتَّلْبِيسِ ، وَأَبْعَدُ عَنِ التَّبْدِيلِ وَالتَّصْحِيفِ .
الْخَامِسُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِطَرِيقِ الشُّهْرَةِ وَالْآخَرُ بِالْإِسْنَادِ إِلَى كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ ، فَالْمُسْنَدُ إِلَى كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ أَنَّ احْتِمَالَ تَطَرُّقِ الْكَذِبِ إِلَى مَا دَخَلَ فِي صَنْعَةِ الْمُحَدِّثِينَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كُتُبِهِمُ الْمَشْهُورَةِ بِهِمْ وَالْمَنْسُوبَةِ إِلَيْهِمْ أَبْعَدُ مِنِ احْتِمَالِ تَطَرُّقِهِ إِلَى مَا اشْتُهِرَ . وَهُوَ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إِلَيْهِمْ ، وَلِهَذَا فَإِنَّ كَثِيرًا مَا اشْتُهِرَ مَعَ كَذِبِهِ وَرَدِّ الْمُحَدِّثِينَ لَهُ .
السَّادِسُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُسْنَدًا إِلَى كِتَابٍ مَوْثُوقٍ بِصِحَّتِهِ ،
كَمُسْلِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=12070وَالْبُخَارِيِّ ، وَالْآخَرُ مُسْنَدًا إِلَى كِتَابٍ غَيْرِ مَشْهُورٍ بِالصِّحَّةِ وَلَا بِالسَّقَمِ ، كَسُنَنِ
أَبِي دَاوُدَ وَنَحْوِهَا ، فَالْمُسْنَدُ إِلَى الْكِتَابِ الْمَشْهُورِ بِالصِّحَّةِ أَوْلَى .
السَّابِعُ : أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ أَحَدِهِمَا بِقِرَاءَةِ الشَّيْخِ عَلَيْهِ ، وَالْآخَرِ بِقِرَاءَتِهِ هُوَ عَلَى الشَّيْخِ أَوْ بِإِجَازَتِهِ أَوْ مُنَاوَلَتِهِ لَهُ أَوْ بِخَطٍّ رَآهُ فِي كِتَابٍ ، فَمَا الرِّوَايَةُ فِيهِ بِقِرَاءَةِ الشَّيْخِ أَرْجَحُ ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ غَفْلَةِ الشَّيْخِ عَمَّا يَرْوِيهِ .
الثَّامِنُ : أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ أَحَدِهِمَا بِالْمُنَاوِلَةِ وَالْآخَرِ بِالْإِجَازَةِ ، فَالْمُنَاوَلَةُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ غَيْرُ كَافِيَةٍ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : " خُذْ هَذَا الْكِتَابَ وَحَدِّثْ بِهِ عَنِّي ، فَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَتَكُونُ إِجَازَةً وَزِيَادَةً ، وَالْإِجَازَةُ تَكُونُ رَاجِحَةً عَلَى رُؤْيَةِ الْخَطِّ فِي الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ الْخُطُوطَ مِمَّا تُشْتَبَهُ ، وَلَا احْتِمَالَ فِي نِسْبَةِ لَفْظِهِ إِلَيْهِ بِالْإِجَازَةِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الشَّيْخُ : هَذَا خَطِّي ، فَالْإِجَازَةُ تَكُونُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ لَفْظِ الشَّيْخِ عَلَى الرِّوَايَةِ عَمَّنْ رَوَى عَنْهُ أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَةِ خَطِّهِ عَلَيْهَا .
[ ص: 248 ] وَإِذَا كَانَتِ الْإِجَازَةُ أَوْلَى مِنَ الرِّوَايَةِ عَنِ الْخَطِّ ، وَالْمُنَاوَلَةُ أَوْلَى مِنَ الْإِجَازَةِ كَانَتِ الْمُنَاوَلَةُ أَوْلَى مِنَ الرِّوَايَةِ عَنِ الْخَطِّ .
التَّاسِعُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ أَعْلَى إِسْنَادًا مِنَ الْآخَرِ ، فَيَكُونُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا قَلَّتِ الرُّوَاةُ كَانَ أَبْعَدُ عَنِ احْتِمَالِ الْغَلَطِ وَالْكَذِبِ .
الْعَاشِرُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ مَوْقُوفًا عَلَى الرَّاوِي ، وَالْآخَرُ مُتَّفَقٌ عَلَى رَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، فَالْمُتَّفَقُ عَلَى رَفْعِهِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ .
الْحَادِي عَشَرَ : أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ بِلَفْظِ النَّبِيِّ وَالْآخَرِ بِمَعْنَاهُ ، فَرِوَايَةُ اللَّفْظِ أَوْلَى لِكَوْنِهَا أَضْبَطُ وَأَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ بِقَوْلِ الرَّسُولِ .
الثَّانِي عَشَرَ : أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِسَمَاعٍ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ ، وَالْأُخْرَى مَعَ الْحِجَابِ ، وَذَلِكَ كَرِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=14946الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ [10] عَنْ
عَائِشَةَ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ ؛ لِكَوْنِهَا عَمَّةً لَهُ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=216بَرِيرَةَ عُتِقَتْ وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا ، فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى رِوَايَةِ
أَسْوَدَ [11] عَنْهَا أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ حُرًّا لِسَمَاعِهِ عَنْهَا مَعَ الْحِجَابِ ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ شَارَكَتِ الرِّوَايَةَ مَعَ الْحِجَابِ فِي السَّمَاعِ ، وَزَادَتْ تَيَقُّنَ عَيْنِ الْمَسْمُوعِ مِنْهُ .
الثَّالِثَ عَشَرَ : إِذَا كَانَتْ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَدِ اخْتَلَفَتْ دُونَ الْأُخْرَى ، فَالَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَوْلَى لِبُعْدِهَا عَنِ الِاضْطِرَابِ .
وَأَمَّا مَا يَعُودُ إِلَى الْمَرْوِيِّ فَتَرْجِيحَاتٌ .
الْأَوَّلُ : أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ عَنْ سَمَاعٍ مِنَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ كِتَابٍ ، فَرِوَايَةُ السَّمَاعِ أَوْلَى لِبُعْدِهَا عَنْ تَطَرُّقِ التَّصْحِيفِ وَالْغَلَطِ .
الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ سَمَاعٍ مِنَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْأُخْرَى عَمَّا جَرَى فِي مَجْلِسِهِ أَوْ زَمَانِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ ، فَرِوَايَةُ السَّمَاعِ أَوْلَى لِكَوْنِهَا أَبْعَدَ عَنْ غَفْلَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَذُهُولِهِ ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ عَمَّا جَرَى فِي مَجْلِسِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ ، ( فَرِوَايَةُ السَّمَاعِ ) أَوْلَى مِمَّا جَرَى فِي زَمَانِهِ خَارِجًا عَنْ مَجْلِسِهِ .
[ ص: 249 ] الثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَمَّا خَطَرُهُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ أَعْظَمُ مِنْ خَطَرِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ، فَمَا خَطَرُهُ أَعْظَمُ يَكُونُ أَرْجَحَ لِكَوْنِ السُّكُوتِ عَنْهُ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ فِي تَقْرِيرِهِ .
الرَّابِعُ : أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ صِيغَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْأُخْرَى عَنْ فِعْلِهِ ، فَرِوَايَةُ الصِّيغَةِ تَكُونُ رَاجِحَةً لِقُوَّةِ دَلَالَتِهَا وَضَعْفِ الْفِعْلِ ، وَلِهَذَا أَنَّ مَنْ خَالَفَ فِي دَلَالَةِ الْفِعْلِ وَجَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ لَمْ يُخَالِفْ فِي الصِّيَغِ ؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَى الِاخْتِصَاصِ بِهِ أَقْرَبُ مِنِ اخْتِصَاصِهِ بِمَدْلُولِ الصِّيغَةِ ، وَلِأَنَّ تَطَرُّقَ الْغَفْلَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ فِي فِعْلِهِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي كَلَامِهِ ، وَلِهَذَا قَلَّمَا يَتَكَلَّمُ الْإِنْسَانُ غَافِلًا بِخِلَافِ الْفِعْلِ .
الْخَامِسُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا خَبَرَ وَاحِدٍ وَرَدَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى بِخِلَافِ الْآخَرِ ، فَمَا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَبْعَدَ عَنِ الْكَذِبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ تَفَرُّدَ الْوَاحِدِ بِنَقْلِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ قَرِيبٌ مِنَ الْكَذِبِ ، وَذَلِكَ كَمَنْ تَفَرَّدَ بِنَقْلِ قَتْلِ الْمَلِكِ فِي وَسَطِ السُّوقِ بِمَشْهَدٍ مِنَ الْخَلْقِ ، وَلِهَذَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَمُتَّفَقًا عَلَى مُقَابِلِهِ .
وَأَمَّا مَا يَعُودُ إِلَى الْمَرْوِيِّ عَنْهُ فَتَرْجِيحَاتٌ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ قَدْ رَوَى عَمَّنْ أَنْكَرَ رِوَايَتَهُ عَنْهُ كَمَا فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ [12] بِخِلَافِ الرَّاوِي الْآخَرِ ، فَمَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ إِنْكَارُ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ يَكُونُ أَرْجَحَ لِكَوْنِهِ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ فِي أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ قَدْ أَنْكَرَ رِوَايَةَ الْفَرْعِ عَنْهُ إِنْكَارَ نِسْيَانٍ وَوُقُوفٍ ، وَالْآخَرِ إِنْكَارَ تَكْذِيبٍ وَجُحُودٍ ، فَالْأَوَّلُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِالثَّانِي .