الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          المسألة السابعة

          فيما يصح نسبته من الأقوال إلى المجتهد وما لا يصح .

          ولا خلاف في صحة اعتقاد الوجوب والتحريم أو النفي والإثبات معا في مسألتين مختلفتين ، كوجوب الصلاة وتحريم الزنا في اعتقاد الجمع بين الأحكام المختلفة التي لا تقابل بينها في شيء واحد ، كالتحريم ووجوب الحد ونحوه ، وفي اعتقاد وجوب فعلين متضادين على البدل كالاعتداد بالأطهار والحيض ، أو فعلين غير متضادين كخصال الكفارة .

          وأما اعتقاد حكمين متقابلين في شيء واحد على سبيل البدل فقد اختلفوا فيه ، وبينا مأخذ القولين في المسألة المتقدمة ، وما هو المختار في ذلك .

          [ ص: 201 ] وأما ما يقال في هذه المسألة : للمجتهد الفلاني قولان ، فلا يخلو إما أن يكونا منصوصين في تلك المسألة أو أحدهما منصوص عليه والآخر منقول ، فإن كان الأول فلا يخلو : إما أن يكون التنصيص عليهما في وقتين أو في وقت واحد ، فإن كان ذلك في وقتين فلا يخلو : إما أن يكون التاريخ معلوما أو غير معلوم ، فإن كان الأول فالقول الثاني ناسخ للأول ، وهو الذي يجب إسناده إليه دون الأول لكونه مرجوعا عنه ، وإن قيل : إن الأول قوله ، فليس إلا بمعنى أنه كان قولا له ، لا بمعنى أنه الآن قوله ومعتقده .

          وإن كان الثاني : فيجب اعتقاد نسبة أحدهما إليه والرجوع عن الآخر ، وإن لم يكن ذلك معلوما ولا معينا .

          وعلى هذا فيمتنع العمل بأحدهما قبل التبيين ; لاحتمال أن يكون ما عمل به هو المرجوع عنه .

          وهذا كما إذا وجدنا نصين وعلمنا أن أحدهما ناسخ للآخر ، ولم يتبين لنا الناسخ من المنسوخ ، فإنه يمتنع العمل بكل واحد منهما لاحتمال أن يكون ما عمل به هو المنسوخ ، وكذلك الراوي فإنه إذا سمع كتابا من الأخبار سوى خبر واحد منه وأشكل عليه ما سمعه عن غيره ، فإنه لا يجوز له رواية شيء منه لاحتمال أن يكون ذلك ما لم يروه .

          وأما إن كان التنصيص عليهما في وقت واحد ، فإما أن ينص على الراجح منهما بأن يقول : " وهذا القول أولى " ، أو يفرع عليه دون الآخر ، فيظهر من ذلك أن قوله : " وما يجب أن يكون معتقدا له " هو الراجح دون المرجوح .

          وأما أن لا يوجد منه ما يدل على الترجيح كما نقل عن الشافعي ذلك في سبع عشرة مسألة فلا يخلو : إما أنه ذكر ذلك بطريق الحكاية لأقوال من تقدم فلا تكون أقوالا له ، وإما أن يكون ذلك بمعنى اعتقاده للقولين وهو محال ; وذلك لأن دليلي القولين : إما أن يكون أحدهما راجحا على الآخر في نظره ، أو هما متساويان .

          [ ص: 202 ] فإن كان الأول فاعتقاده لحكم الدليل المرجوح ممتنع ، وإن كان الثاني فاعتقاده للتحريم والإباحة معا في شيء واحد من جهة واحدة محال .

          وإن كان معنى القولين التخيير بين الحكمين ، أو التردد والشك كتردد الشافعي في التسمية : هل هي آية من أول كل سورة ؟ فذلك مما لا يصح معه نسبة القولين إليه .

          ولهذا فإن من قال بالتخيير بين خصال الكفارة لا يقال : إن له في الكفارة أقوالا .

          وكذلك من شك في شيء وتردد فيه لا يقال له فيه أقوال ، وإنما يمكن تصحيح ذلك بأن يحمل قوله : ( في المسألة قولان ) على أنه قد وجد فيها دليلين متعارضين ، ولا موجود سواهما إما نصان أو استصحابان ، كما إذا أعتق عن كفارته عبدا غائبا منقطع الخبر ، فإن الأصل بقاء حياته والأصل بقاء اشتغال الذمة أو أصلان مختلفان ، والمسألة مشابهة لكل واحد من الأصلين على السوية .

          ويمكن أن يقول بكل واحد منهما قائل ، فقوله بوجود هذا الاحتمال ، وهذا قولان لكنه ليس قولا بحكم شرعي .

          وأما إن كان منصوصا عليه والآخر منقولا ، فذلك إنما يتصور في صورتين متناظرتين ، وعند ذلك فلا يخلو : إما أن يظهر بين الصورتين فارق أو لا يظهر ، فإن ظهر بينهما فارق فالنقل يكون ممتنعا .

          وإن لم يظهر بينهما فارق وكان الإمام قد نص على حكم الصورتين فلا يخلو : إما أن يكون قد نص عليهما في وقتين أو في وقت واحد .

          فإن كان في وقتين : فإما أن يكون التاريخ معلوما أو غير معلوم ، فإن كان معلوما فتنصيصه على الحكم الأخير يستلزم ثبوت مثله في الصورة المنصوص عليها أولا ، ضرورة عدم الفرق ، ويلزم من ذلك رجوعه عن الحكم المنصوص عليه أولا ، وإن لم يكن التاريخ معلوما فيجب اعتقاد اشتراك الصورتين في أحد الحكمين ، وهو ما نص عليه آخرا ، وإن لم يكن معلوما بعينه ، وعلى هذا فلا يمكن العمل بأحدهما على سبيل التعيين ; لجواز أن يكون هو المرجوع عنه كما أسلفناه .

          وأما إن نص على حكمي الصورتين في وقت واحد ، فهو كما لو نص عليهما في صورة واحدة وقد عرف ما فيه .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية