الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          [ ص: 274 ] الفصل الرابع

          في أقسام المقصود من شرع الحكم واختلاف مراتبه في نفسه وذاته

          [1] وهو لا يخلو إما أن يكون من قبيل المقاصد الضرورية ، أو لا يكون من قبيل المقاصد الضرورية .

          فإن كان من قبيل المقاصد الضرورية فإما أن يكون أصلا ، أو لا يكون أصلا .

          فإن كان أصلا فهو الراجع إلى المقاصد الخمسة التي لم تخل من رعايتها ملة من الملل ولا شريعة من الشرائع ، وهي : حفظ الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال . فإن حفظ هذه المقاصد الخمسة من الضروريات وهي أعلى مراتب المناسبات .

          والحصر في هذه الخمسة الأنواع إنما كان نظرا إلى الواقع والعلم بانتفاء مقصد ضروري خارج عنها في العادة .

          أما حفظ الدين : فبشرع قتل الكافر المضل ، وعقوبة الداعي إلى البدع .

          وأما حفظ النفوس : فبشرع القصاص .

          وأما حفظ العقول : فبشرع الحد على شرب المسكر .

          وأما حفظ الأموال التي بها معاش الخلق : فبشرع الزواجر للغصاب والسراق .

          [2] وأما إن لم يكن أصلا فهو التابع المكمل للمقصود الضروري .

          وذلك كالمبالغة في حفظ العقل بتحريم شرب القليل من المسكر الداعي إلى الكثير وإن لم يكن مسكرا ، فإن أصل المقصود من حفظ العقل حاصل بتحريم شرب المسكر لا بتحريم قليله ، وإنما يحرم القليل للتكميل والتتميم .

          وأما إن لم يكن المقصود من المقاصد الضرورية : فإما أن يكون من قبيل ما تدعو حاجة الناس إليه ، أو لا تدعو إليه الحاجة .

          فإن كان من قبيل ما تدعو إليه الحاجة : فإما أن يكون أصلا ، أو لا يكون أصلا .

          [ ص: 275 ] فإن كان أصلا فهو القسم الثاني الراجع إلى الحاجات الزائدة ، وذلك كتسليط الولي على تزويج الصغيرة لا لضرورة ألجأت إليه بل لحاجة تقييد الكفء الراغب ; خيفة فواته عند دعو الحاجة إليه بعد البلوغ لا إلى خلف .

          وأما تسليط الولي على تربية الصغير وإرضاعه وشراء المطعوم والملبوس له ، فليس من هذا القبيل ، بل من قبيل الضروريات الأصلية التي لا تخلو شريعة عن رعايتها .

          وهذا القسم في الرتبة دون القسم الأول ، ولهذا جاز اختلاف الشرائع فيه دون القسم الأول ، وهو في محل المعارضة مع ما كان من قبيل التكملة والتتمة للقسم الأول ، ولهذا اشتركا في جواز اختلاف الشرائع فيهما .

          وإن لم يكن أصلا فهو التابع الجاري مجرى التتمة والتكملة للقسم الثاني ، وذلك كرعاية الكفاءة ومهر المثل في تزويج الصغيرة ، فإنه أفضى إلى دوام النكاح وتكميل مقاصده ، وإن كان أصل المقصود حاصلا دون ذلك ، وهذا النوع في الرتبة دون ما تقدم ، أما بالنظر إلى المقصود الذي هو من باب الضرورات والحاجات فظاهر ، وأما بالنظر إلى ما هو من قبيل التكملة للمقصود الضروري ، فلكونه مكملا لما ليس بضروري .

          وأما إن كان المقصود ليس من قبيل الحاجات الزائدة ، فهو القسم الثالث ، وهو ما يقع موقع التحسين والتزيين ورعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملات ، وذلك كسلب العبيد أهلية الشهادة من حيث إن العبد نازل القدر والمنزلة لكونه مستسخرا للمالك مشغولا بخدمته ، فلا يليق به منصب الشهادة لشرفها وعظم خطرها ; جريا للناس على ما ألفوه وعدوه من محاسن العادات ، وإن كان لا تتعلق به حاجة ضرورية ولا زائدة ولا هو من قبيل التكملة لأحدهما ، وليس هذا من قبيل سلب ولايته على الطفل فإن سلب ولايته من قبيل الحاجات ; لأن الولاية على الطفل تستدعي الخلو والفراغ والنظر في أحواله ، واستغراق العبد بما هو الواجب عليه من خدمة مالكه مانع له من ذلك ، ولا كذلك في الشهادة لاتفاقهما في بعض الأحيان .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية