الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          المسألة الرابعة عشرة

          اختلفوا في النسخ بالقياس على ثلاثة أقوال :

          ثالثها : الفرق بين القياس الجلي والخفي ، وهو قول أبي القاسم الأنماطي [1] من أصحاب الشافعي .

          والمختار : أنه إن كانت العلة الجامعة في القياس منصوصة فهي في معنى النص ، فيصح النسخ به .

          وإن كانت غير منصوصة ، فإما أن يكون القياس قطعيا أو ظنيا بأن تكون العلة فيه مستنبطة بنظر المجتهد .

          فإن كان قطعيا كقياس الأمة على العبد في تقويم النصيب على السيد المعتق ، فإنه وإن كان مانعا من إثبات حكم دليل آخر كان نصا أو قياسا فلا يكون ذلك نسخا ، وإن كان في معنى النسخ لكونه ليس بخطاب على ما بيناه من أن النسخ إنما هو الخطاب الدال على ارتفاع حكم خطاب آخر .

          وإن كان القياس ظنيا فيمتنع أن يكون ناسخا ; لأن المنسوخ حكمه :

          إما أن يكون نصا أو إجماعا أو قياسا ، الأول والثاني محال إن كان النص والإجماع [ ص: 165 ] خاصا لكون النص الخاص والإجماع مقدما على القياس الظني بالاتفاق ، وإن كان عاما فلا نسخ لأن القياس ليس بخطاب على ما سبق ، وإن كان قياسا فلا بد وأن يكون القياس الثاني راجحا على الأول .

          وعند ذلك ، فتارة نقول : إن القياس الأول لا يكون قياسا لعدم ترجحه وأن الترجح شرط في الاقتضاء ، وتارة نقول : إنه وإن لزم منه رفع حكمه فهو في معنى النسخ ، ولكنه ليس بنسخ لما بيناه من أن النسخ هو الخطاب الدال على ارتفاع حكم خطاب ، وهو غير متحقق فيما نحن فيه ، وللمخالف شبهتان :

          الأولى : قوله تعالى : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله ) أوجب نسخ ثبات الواحد للعشرة ، وليس مصرحا به وإنما هو منبه عليه ، وذلك هو نفس نسخ حكم النص بالقياس .

          الثاني : أنهم قالوا : النسخ أحد البيانين فجاز بالقياس كالتخصيص .

          والجواب عن الأولى : أنها إنما تصح أن لو كان ثبوت الواحد للاثنين الرافع ثبوت الواحد للعشرة مستفادا من القياس ، وليس كذلك بل استفادته إنما هي من نفس مفهوم اللفظ .

          وعن الثانية : أنها منقوضة بالإجماع ، وبدليل العقل وبخبر الواحد فإنه يخصص به ولا ينسخ به .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية