الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          [ ص: 92 ] المسألة الثالثة

          اختلفوا في الخطاب إذا قيد الحكم بغاية كما في قوله تعالى : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) ، وقوله تعالى : ( ولا تقربوهن حتى يطهرن ) ، وقوله : ( فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) ، وقوله : ( حتى يعطوا الجزية ) فذهب أكثر الفقهاء وجماعة من المتكلمين ، كالقاضي أبي بكر ، والقاضي عبد الجبار ، وأبي الحسين البصري ، وغيرهم ( إلى ) أن ذلك يدل على نفي الحكم فيما بعد الغاية .

          وخالف في ذلك أصحاب أبي حنيفة وجماعة من الفقهاء والمتكلمين وهو المختار ، وذلك لأنه لو دل تقييد الحكم بالغاية المحدودة على نفي الحكم فيما بعد الغاية لم يخل : إما أن يدل عليه بصريح لفظه أو بأنه لو لم يكن دالا على نفي الحكم فيما بعد الغاية لما كان التقييد بالغاية مفيدا ، أو من جهة أخرى ، الأول محال لأن اللفظ بصريحه لم يدل على نفي الحكم بعد الغاية ، والثاني إنما يلزم أن لو لم يكن للتقييد فائدة سوى ما ذكروه ، وليس كذلك بل جاز أن تكون فائدة التقييد تعريف بقاء ما بعد الغاية على ما كان قبل الخطاب أي متعرض فيه لإثبات الحكم ولا نفيه .

          وإن كان الثالث فالأصل عدمه وعلى مدعيه بيانه .

          وأيضا فإنه لا مانع من ورود الخطاب فيما بعد الغاية بمثل الحكم السابق قبل الغاية بالإجماع .

          وعند ذلك إما أن يكون تقييد الحكم بالغاية نافيا للحكم فيما بعدها ، أو لا يكون ، والأول يلزم منه إثبات الحكم مع تحقق ما ينفيه ، وهو خلاف الأصل .

          وإن كان الثاني فهو المطلوب .

          فإن قيل : ما ذكرتموه معارض بما يدل على نقيضه ، وبيانه أن كلمة ( حتى ) و ( إلى ) لانتهاء الغاية ، وهي جارية مجرى قوله : " صوموا صوما آخره الليل " ولو قال ذلك لمنع من وجوب الصوم بعد مجيء [ ص: 93 ] الليل لأنه لو وجب الصوم بعد ذلك لصارت الغاية وسطا وهو محال .

          ولهذا فإنه لو قال القائل لعبده : " لا تعط زيدا درهما حتى يقوم ، واضرب عمرا حتى يتوب " فإنه لا يحسن الاستفهام بعد ذلك ، وأن يقال : " فهل أعطيه إذا قام ؟ ، وهل أضربه إذا تاب ؟ " ولولا أن التقييد بالغاية يدل على عدم الحكم بعدها لما كان كذلك .

          قلنا لا ننكر أن ( حتى ) و ( إلى ) لانتهاء الغاية وأنها جارية مجرى قوله : " صوموا صياما آخره الليل " غير أن الخلاف إنما هو في أن تقييد الحكم بالغاية هل يدل على نفي الحكم فيما بعد الغاية ، وذلك غير لازم من التقييد بالغاية ، بل غايته أن دلالة التقييد بالغاية على أن ما بعدها غير متعرض فيه بالخطاب الأول لا بنفي ولا إثبات ، ولا يلزم من وجود صوم بعد الغاية أن تصير الغاية وسطا ، بل هي غاية للصوم المأمور به أولا ، وإنما تصير وسطا أن لو كان الصوم فيما بعد الغاية مستندا إلى الخطاب الذي قبل الغاية وليس كذلك .

          وأما أنه لا يحسن الاستفهام عند قوله : " لا تعط زيدا درهما حتى يقوم ، واضرب عمرا حتى يتوب " لأن ما بعد الغاية مسكوت عنه غير متعرض له بنفي ولا إثبات فلا يحسن الاستفهام فيما لا دلالة للفظ عليه كما قبل الأمر بالإعطاء والضرب .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية