الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          [ ص: 334 ] المسألة الحادية عشرة

          إذا كان من عادة المخاطبين تناول طعام خاص فورد خطاب عام بتحريم الطعام كقوله : حرمت عليكم الطعام فقد اتفق الجمهور من العلماء على عمومه في تحريم كل طعام على وجه يدخل فيه المعتاد وغيره ، وإن العادة لا تكون منزلة للعموم على تحريم المعتاد دون غيره ، خلافا لأبي حنيفة ، وذلك لأن الحجة إنما هي في اللفظ الوارد ، وهو مستغرق لكل مطعوم بلفظه ولا ارتباط له بالعوائد ، وهو حاكم على العوائد فلا تكون العوائد حاكمة عليه .

          فإن قيل : إذا منعتم من تجويز تخصيص العموم بالعادة وتنزيل لفظ الطعام على ما هو المعتاد المتعارف عند المخاطبين فما الفرق بينه وبين تخصيص اللفظ ببعض مسمياته في اللغة بالعادة ؟ وذلك كتخصيص اسم الدابة بذوات الأربع ، وإن كان لفظ الدابة عاما في كل ما يدب ، وكتخصيص اسم الثمن في البيع بالنقد الغالب في البلد حتى إنه لا يفهم من إطلاق لفظ الدابة والثمن غير ذوات الأربع ، والنقد الغالب في البلد .

          قلنا : الفرق بين الأمرين أن العادة في محل النزاع إنما هي مطردة في اعتياد أكل ذلك الطعام المخصوص لا في تخصيص اسم الطعام بذلك الطعام الخاص ، فلا يكون ذلك قاضيا على ما اقتضاه عموم لفظ الطعام مع بقائه على الوضع الأصلي ، وهذا بخلاف لفظ الدابة ، فإنه صار بعرف الاستعمال ظاهرا في ذوات الأربع وضعا ، حتى إنه لا يفهم من إطلاق الدابة غير ذوات الأربع ، فكان قاضيا على الاستعمال الأصلي حتى إنه لو كانت العادة في الطعام المعتاد أكله قد خصصت بعرف الاستعمال اسم الطعام بذلك الطعام ، لكان لفظ الطعام منزلا عليه دون غيره ضرورة تنزيل مخاطبة الشارع للعرب ، على ما هو المفهوم لهم من لغتهم ، وفيه دقة مع وضوحه .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية