باب ترتيب سقي الأراضي بين الشركاء.
2194 - أخبرنا ، أنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، نا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو اليمان ، عن شعيب ، أخبرني الزهري ، عروة بن الزبير الزبير كان يحدث أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرة ، كانا [ ص: 284 ] يسقيان به كلاهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: " اسق يا زبير ، ثم أرسل إلى جارك " فغضب الأنصاري، فقال: يا رسول الله: أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: "اسق ثم احبس حتى يبلغ الجدر".
فاستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ حقه للزبير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي سعة له وللأنصاري، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم ، استوعى للزبير حقه في صريح الحكم "، قال : قال عروة الزبير : والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) الآية أن .
هذا حديث متفق على صحته، أخرجه ، عن مسلم ، قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح ، عن ، عن الليث . ابن شهاب
وقال : قال لي ابن جريج : فقدرت الأنصار والناس قول النبي صلى الله عليه وسلم : ابن شهاب ، وكان ذلك إلى الكعبين. [ ص: 285 ] . " اسق ثم احبس حتى يرجع إلى الجدر "
الشراج: مسايل الماء، من الحرار إلى السهل، واحدها: شريج وشرج، والحرة: حجارة سود بين جبلين، وجمعهما حرون وحرات وحرار.
وقوله: "أن كان ابن عمتك؟" معناه: لأن كان، أو لأجل أن كان ابن عمتك، كقوله سبحانه وتعالى: ( أن كان ذا مال وبنين ) أي: لأن كان ذا مال.
وقوله: "حتى يبلغ الجدر" والجدر: الجدار، يريد جذم الجدار الذي هو الحائل بين المشارب، وبعضهم يرويه بالذال المعجمة، يريد مبلغ تمام الشرب من جذر الحساب، والأول أصح.
وقوله: "فاستوعى للزبير حقه" أي: استوفاه، مأخوذ من الوعاء الذي يجمع فيه الأشياء، كأنه جمعه في وعائه.
قوله: "أحفظ"، أي: أغضب، وفي بعض الحديث: بدرت مني كلمة أحفظته، أي: أغضبته، وقوله عليه السلام أولا " اسق يا زبير، ثم أرسل إلى جارك، ثم لما أحفظه"، قال: " احبس حتى يبلغ الجدر" كان الأول منه أمرا منه للزبير بالمعروف وأخذا بالمسامحة وحسن الجوار، بترك بعض حقه، دون أن يكون حكما منه عليه، فلما رأى الأنصاري يجهل موضع حقه، أمر الزبير باستيفاء تمام حقه.
وفيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يعفو عن التعزير، حيث لم يعزر الأنصاري الذي تكلم بما أغضب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل: كان قوله الآخر عقوبة للأنصاري في ماله، وكانت العقوبات إذ ذاك يقع بعضها في الأموال، كما قال عليه السلام في مانع الزكاة: وكما كان من شق الزقاق، وكسر الدنان عند ابتداء تحريم الخمر، والأول أصح. "إنا آخذوها وشطر ماله [ ص: 286 ] عزمة من عزمات ربنا"
وفي الحديث أنه عليه السلام حكم على الأنصاري في حال غضبه مع نهيه الحاكم أن يحكم وهو غضبان، وذلك لأنه كان معصوما من أن يقول في السخط والرضا إلا حقا.
وفقه هذا الحديث أن مياه الأودية، والسيول، التي لا تملك منابعها ومجاريها على الإباحة، والناس في الارتفاق بها شرع سواء، وأن من سبق إلى شيء منها كان أحق من غيره، وأن أهل الشرب الأعلى مقدمون على من هو أسفل منهم لسبقهم إليه، وأن حق الأعلى أن يسقي زرعه حتى يبلغ الماء الكعبين، ثم ليس له حبسه عمن هو أسفل منه بعد ما أخذ منه حاجته، فأما إذا كان منبع الماء ملكا لواحد بأن حفر بئرا في ملكه، أو في موات للملك، فهو أولى بذلك الماء من غيره.
واختلفوا في أنه هل يملك الماء في منبعه في أن يحرزه في بركة، أو إناء؟ فأصح أقوال أصحاب ، أنه غير مملوك له ما لم يحرزه، واتفقوا على أن له منع ما فضل عن حاجته عن زرع الغير، ولا يجوز أن يمنع الفضل عن ماشية الغير، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الشافعي ولو كان منبع الماء ملكا لجماعة وهم شركاء فيه، فإن الأعلى والأسفل فيه سواء، فإن اصطلحوا على أن يكون الماء مناوبة بينهم، فهم على ما اتفقوا عليه، وإن اختلفوا يقرع بينهم، فمن خرجت له القرعة كان مبدوءا به. [ ص: 287 ] . " لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ "