باب صاحب الحق إذا أخذ من مال الغريم حقه.
2149 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، نا . ح أبو العباس الأصم
وأخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، ومحمد بن أحمد العارف ، قالا: أنا ، نا أبو بكر الحيري ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، عن أنس بن عياض ، عن أبيه ، [ ص: 204 ] عن هشام بن عروة ، أنها حدثته أن عائشة هندا أم معاوية جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت: يا رسول الله، إن رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم، فهل علي في ذلك شيء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أبا سفيان " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " .
هذا حديث متفق على صحته، أخرجاه من طرق عن . هشام بن عروة
قال الإمام: هذا حديث يشتمل على فوائد وأنواع من الفقه، منها: جواز ذكر الرجل ببعض ما فيه من العيوب إذا دعت الحاجة إليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر قولها: إن رجل شحيح. أبا سفيان
ومنها وجوب نفقة المرأة على زوجها، ووجوب نفقة الأولاد على الآباء، وفيه اتفاق بين أهل العلم، أن الولد إذا كان صغيرا أو بالغا زمنا وهو معسر تجب نفقته على الوالد الموسر، فإن بلغ محلا يمكنه تحصيل نفقته بالاكتساب، سقطت نفقته عن الأب، وإذا وجبت نفقة الأولاد [ ص: 205 ] فنفقة الوالدين أولى بالوجوب عند الزمانة والإعسار على الوالد الموسر.
ومنها: أن النفقة على قدر الكفاية، لأنه قال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"، ومنها: أن القاضي يقضي بعلم نفسه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكلفها البينة فيما ادعته، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم عالما بكونها في نكاح ، وفيه اختلاف بين أهل العلم، ذكرته في كتاب القضاء. أبي سفيان
ومنها: جواز القضاء على الغائب، وهو قول ، مالك ، وذهب جماعة إلى أن القضاء على الغائب لا يجوز، وهو قول والشافعي ، شريح ، وإليه ذهب وعمر بن عبد العزيز ، ابن أبي ليلى وأصحاب الرأي ، وقال : يجوز إذا تبين للحاكم أن المدعي عليه استخفى فرارا من الحق، ومعاندة من الخصم، وجوز أصحاب الرأي، إذا كان له اتصال بالحاضر بأن ادعت المرأة النفقة على زوجها الغائب، وادعت له وديعة في يد حاضر، أو ادعت الشفعة على حاضر في شقص اشتراه وبائعه غائب. أبو عبيد
ومنها: أن من له حق على غيره يمنعه إياه، فظفر من ماله بشيء، جاز له أن يقتضي منه حقه، سواء كان من جنس حقه أو لم يكن إياه، ثم يبيع ما ليس من جنس حقه، فيستوفي حقه من ثمنه، وذلك أن معلوما أن منزل الرجل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه أهله وولده من النفقة والكسوة، وسائر المرافق التي تلزمه لهم، ثم أطلق لها الإذن في أخذ كفايتها وكفاية أولادها، ولا يكون ذلك إلا بصرف غير جنس حقها في تحصيل ما هو من جنس حقها، وهذا قول . الشافعي
وذهب قوم إلى أنه يأخذ من ماله جنس حقه لو أودعه دراهم، وله على المودع مثلها، فله أخذها عن حقه، فإن جحد المودع ماله، له أن يجحد وديعته، فيمسكها عن حقه، وإن كانت الوديعة دنانير، [ ص: 206 ] فليس له أن يجحدها وأن يأخذ منها حقه، وهو قول ، وقال أصحاب الرأي: يأخذ أحد النقدين عن الآخر، ولا يجوز الأخذ من جنس آخر. سفيان الثوري
وذهب إلى أنه لا يجوز جحود وديعته، سواء كان من جنس حقه، أو لم يكن، واحتج بما روي ، عن مالك ، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة " أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك " والمراد من هذا أن يخونه بعد استيفاء حقه بزيادة جزاء لخيانته، فأما استيفاء قدر حقه فمأذون له فيه من جهة الشرع في حديث هند، فلا يدخل تحت النهي عن الخيانة.