ذكر اختلاف أهل العلم في المعترف بالزنا يرجع عن إقراره
اختلف أهل العلم في الرجل يقر بالزنا ثم يرجع عن إقراره، فقالت طائفة: يترك ولا يحد. هذا قول عطاء بن أبي رباح، ويحيى بن يعمر، والزهري، وبه قال وحماد بن أبي سليمان، سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه .
وبه قال النعمان، ويعقوب، وقد اختلف في هذه المسألة عن فحكى مالك القعنبي عنه أنه قال: إذا اعترف على نفسه بالزنا ثم [ ص: 453 ] رجع عن ذلك وقال: لم أفعل إنما ذلك مني على وجه كذا وكذا لشيء يذكره، أن ذلك يقبل منه ولا يقام عليه الحد، وقال ابن عبد الحكم، وقد قال إذا اعترف بغير محنة ثم نزع لم يقبل منه، وقاله مالك: أشهب، وقال أشهب: يقبل رجوعه إن جاء بعذر، وإلا لم يقبل منه، وأقيم عليه الحد .
وقالت طائفة: إذا أقر ثم رجع لم يقبل رجوعه، وأقيم عليه الحد .
وقال من اعترف بحد ثم أنكر، جاز اعترافه وأقيم عليه الحد. وقال سعيد بن جبير: إذا أقر بالحد عند الناس وجحد عند السلطان قال: يلزمه بشهادة الناس، ويقام عليه الحد، وقال الحسن البصري: إذا اعترف بالسرقة أو بالزنا لم أقبل رجوعه فيهما جميعا وأمضي عليه الحد. وحكي عن ابن أبي ليلى: أنه قال ذلك في الاعتراف في الزنا . عثمان البتي
وكان يقول: إذا أمر القاضي برجمه فرجع فكان إقرارا بالزنا، فإن كان في ذلك اختلاف أقيم عليه، ولم يلتفت إلى رجوعه وذلك أن الحد إذا ثبت عند الحاكم لم يبطل إلا بإجماع أو سنة . أبو ثور
قال أما حجة أبو بكر: في هذا الباب فقوله في أمر الشافعي ماعز: "ألا تركتموه". قال: فكل حد له فهكذا، وقد احتج بعض من يرى أن الحد لا يسقط عنه برجوعه بعد وجوبه عليه، بأنهم قد أجمعوا على إيجاب الحد عليه باعترافه، فإذا رجع اختلفوا في سقوط الحد الذي أجمعوا أنه واجب عليه، فغير جائز إسقاط حد قد وجب إلا بإجماع مثله، أو خبر عن الرسول لا معارض له، وليس في قوله "فهلا تركتموه" وجوب إسقاط الحد عنه، وذلك أن قوله ذلك يحتمل أن يكون كما قال من النظر في أمره، والتثبت للمعنى الذي هرب من أجله، ولو وجب أن يكون الحد [ ص: 454 ] ساقطا عنه بهربه لوجب أن يكون مقتولا خطأ، وفي ترك النبي صلى الله عليه وسلم إيجاب الدية على عواقل القاتلين له بعد هربه دليل على أنهم غير قاتلين من لا قتل [عليه] إذ لو كان صار دمه محقونا بهربه، لأشبه أن يوجب على عواقل قاتليه ديته، وليس في شيء من أخبار جابر بن عبد الله ماعز دليل على رجوع ماعز عما أقر به، وأكثر ما فيه أنه سأل عندما نزل به من الألم أن يرد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: ما زنيت أو أقررت بغير حق فيكون رجوعا .
قال وهذا القول أشبه القولين بالصواب - والله أعلم . أبو بكر:
قال ويقال لمن خالفنا أرأيت إن هرب المرجوم أيترك أو يتبع فيقتل، فإن قال: يقتل فلا معنى لتعلقه بخبر أبو بكر: ماعز، وهو يرى قتله وهو مول هارب، وإن قال: يترك لتثبت الإمام، فهذا قولنا، فإن قال يسقط عنه الحد بهربه سئل عن الحجة على ما ادعى من إسقاط الحد بعد وجوبه، وقد كان يقول في المرجوم إذا هرب: يترك. وقال أصحاب الرأي: إذا هرب فطلبه الشرط، واتبعوه في فوره ذلك وأخذوه أقيم عليه بقية الحد، وإن أخذوه بعد أيام لم يقم عليه بقية الحد . أحمد بن حنبل
قال يقام عليه الحد بعد يوم، وبعد أيام، وبعد سنين، لأن ما وجب لا يجوز إسقاطه بمرور الأيام والليالي، ولا حجة مع من أسقط ما قد وجب بكتاب الله، ولا معنى للاستحسان في إسقاط ما أوجبه الله من الحدود . [ ص: 455 ] أبو بكر:
9137 - حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، حدثنا حدثنا يزيد بن زريع، محمد بن إسحاق في قصة ماعز قال: فذكرت ذلك فقال: حدثني لعاصم بن عمر بن قتادة حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب قال: أخبرني ذلك من قول رسول الله "فهلا تركتموه" لماعز من شئت من رجال أسلم ممن لا أتهم، ولم أعرف الحديث قال: فجئت فقال: يا ابن أخي، أنا أعرف الناس بهذا الحديث، كنت فيمن رجم الرجل، إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم ردوني إلى رسول الله إن قومي هم قتلوني وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي، فلم ننزع عنه حتى قتلناه فلما رجعنا إلى رسول الله فأخبرناه قال: جابر بن عبد الله ليتثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فأما لترك حد فلا. قال: فعرفت وجه الحديث . "فهلا تركتموا الرجل وجئتموني به"