ذكر اختلاف أهل العلم في المال يضمنه الرجل عن الرجل هل يبرأ المضمون عنه من المال ؟ أم لصاحب المال أن يطالب أيهما شاء حتى يستوفي ماله ؟
هذا قول ، سفيان الثوري ، والشافعي وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأصحاب الرأي ، وهو قول أكثر علماء الأمصار . وكان يقول في الرجل يكتب حقه على الرجلين : حيكما عن ميتكما ، وشاهدكما عن غائبكما ، وأيكما شئت أخذت بحقي . قال : ذلك جائز لا بأس به . مالك بن أنس
وقالت طائفة : الكفالة ، والحوالة ، والضمان سواء ، ولا يجوز أن يكون شيء واحد على اثنين على كل واحد منهما المال كله . هذا قول . أبي ثور
وكان يقول : إذا ضمن الرجل عن صاحبه مالا تحول المال على الكفيل وبرئ صاحب الأصل إلا أن يشترط المكفول له [ ص: 602 ] عليهما أن يأخذ به أيهما شاء . وقال ابن أبي ليلى : وإن اشترط ذلك ، فإن خير الطالب فيهما ، فإن اختار أحدهما أبرأت الآخر . ابن شبرمة
قال : واحتج القائل لهذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع على الصلاة على الميت الذي عليه الدين قبل ضمان أبو بكر أبي قتادة المال عنه ، وصلى عليه بعد ضمانه المال عنه ، يدل ذلك على الفرق بين الحالين ، وعلى براءة الميت من الدين بضمان أبي قتادة عنه .
وقال آخر من أصحابنا : هذا غلط [ممن ] يدعيه ، والسنة والإجماع دالان على غفلة هذا القائل ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يمتنع من الصلاة على من عليه دين لم يترك له وفاء ، فلما كانت هذه سنته صار الميت بضمان أبي قتادة عنه المال كمن ترك وفاء لدينه . وأما الإجماع : فليس بينهم اختلاف أن من ضمن مالا عن رجل من حيث لا يعلم الذي له المال أن المضمون عنه لا يبرأ من المال ، وأن لصاحب المال أن يطالب غريمه ، فقياس ما أجمعوا عليه من هذه المسألة أن الميت لم يبرأ بضمان أبي قتادة عنه دون أن يؤدي المال عنه .