ذكر شهادة ولد الزنا
واختلفوا في شهادة ولد الزنا . فقالت طائفة : يجب قبولها إذا كان عدلا لدخوله في ظاهر قوله : ( ممن ترضون من الشهداء ) هذا قول عطاء بن أبي رباح ، والشعبي، وقال : لا يفضله ولد الرشدة إلا بالتقوى . وقال والحسن البصري تجوز شهادته إذا كان مرضيا ويؤم . وبه قال الزهري : الشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق ، وأبو عبيد ، والنعمان وأصحابه .
وقالت طائفة : لا تجوز شهادته . كذلك قال نافع مولى ، وبه قال ابن عمر في الليث بن سعد . قال : ترد شهادتهم ، ولا جلد عليهم . الشهادة على الزنا إذا شهد عليه أربعة أحدهم ولد زنا
وفيه قول ثالث : قاله ، قال مالك في ولد الزنا : أنه في [ ص: 279 ] شهادته وحرمته وحدوده بمنزلة المسلمين إلا أنه لا يجلد فيه من قذفه بأمه ، ولا تجوز شهادته في الزنا وما أشبهه . قال : وسمعت مالك يقول ذلك . الليث بن سعد عنهما ، وقال بعض من نحفظ قوله : إنما أسقط - يعني ابن وهب مالكا - شهادته في الزنا خاصة ؛ لأن الجملة فيمن فعل شيئا قبيحا أنه يحب أن يكون له نظراء . وقد حكي عن عثمان أنه قال : ودت الزانية لو أن النساء كلهن زنين .
قال وفي هذا الكلام غلط من وجوه : أحدها : أن ولد الزنا لم يفعل فعلا قبيحا يستوجب به شيئا ، فيحب أن يكون له نظير . والثاني : أني لا أعلم ما قاله عن أبو بكر : عثمان ثابتا ، وأشبه ذلك أن لا يكون ثابتا ، إذ غير جائز على مثل عثمان في جلالته أن يطلق كلامه ، ويحكي عن ضمير امرأة ما لا يعلم ذلك منها إلا حكاية عنها لو تكلمت فيه ، فيقال : قالت كذا . فأما أن يرسل كلاما هكذا بالظن ، فغير جائز ظن ذلك بعثمان، ولو كان مكان ولد الزنا الذي يفعل شيئا يستوجب به حد الزانية نفسها ثم تابت لوجب قبول توبتها ، كما يجوز قبول ولو شهد الزاني أو الزانية شهادة بعد أن يتوب ، وبعد أن يزول عنه ذلك الاسم ، لوجب قبول توبته والحكم بشهادته مع أن الكتاب يدل على قبول شهادته قال الله : ( شهادة سائر أهل الذنوب إذا تابوا ، ممن ترضون من الشهداء ) فإذا كان ولد الزنا بارا عدلا ، وجب قبول شهادته ، ولا يجوز أن يلزم ولد الزنا من فعله شيئا ؛ لأن الله جل ثناؤه قال : ( وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى ) وقال : ( كل امرئ بما كسب رهين ) وولد الزنا لم يفعل [ ص: 280 ] فعلا يستوجب به حكما . فإن اعتل معتل بالحديث الذي فيه ذكر فقيل : ذلك خاص في زانيين زنيا فولد بينهما ولد فأسلما ، وبقي الولد على دين أبويه ، فقيل : ولد الزنا شر الثلاثة ؛ لأن الزانيين أسلما ولم يسلم ، فكان شر الثلاثة لتخلفه عن الإسلام ، ولما لم نعلم مخالفا أن الزانيين إذا تابا وأصلحا أن شهادتهما مقبولة لم يجز أن نجعل من لم يزل على طريقة حسنة واستقامة من أمره وحد كأشر من الذي زنى ثم تاب وأناب ، وشهادة ولد الزنا يجب قبولها على ظاهر الكتاب ، ويكون في أحكامه كأحكام المسلمين . "ولد الزنا شر الثلاثة "