مسائل من باب الحكم بين أهل الكتاب
اختلف أهل العلم في فقالت طائفة: لا ينظر بينهم حتى يأتي الخصمان جميعا. هذا قول الكتابي يأتي إلى الإمام دون خصمه ليدعوا خصمه فينظر بينهم . مالك بن أنس
قال : ويشبه أن يكون من حجة من قال هذا القول قوله: ( أبو بكر فإن جاؤوك فاحكم بينهم ) ولم يقل: فإن جاءك أحدهما . [ ص: 595 ]
وقالت طائفة: يحكم على الغائب إذا جاء أحدهما. هذا قول ، قال الأوزاعي الوليد بن مسلم : قلت لأبي عمرو : ( فإن جاؤوك ) فجاء أحدهما راغبا في حكم الكتاب فقال: يحكم على الغائب. فذكرته لمالك فقال: لا، حتى يجيئا جميعا .
وقال الوليد بن مسلم : قال أبو عمرو في قال يهودي تزوج ابنة أخيه فجاءت ابنة أخيه الإمام راضية بحكم القرآن كارهة لتزويجه، وتسأل الإمام أن يحول بينها وبين نكاحه، وأقام زوجها فلم يأت معها. أبو عمرو : إذا جاء أحدهما يدعو إلى حكم القرآن حكم له وعليه بما في القرآن لقول الله عز وجل: ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) فذكرت ذلك ، فقال: لا حتى يجيئا جميعا قد رضيا بحكم القرآن. فأخبر لمالك بن أنس أبو عمرو بقول هذا. فقال: إنما قال في أهل الحرب إذا دخلوا إلينا بأمان فكانت بينهم منازعة في مثل هذا، فجاء أحدهما فليس لنا أن نحكم للجائي حتى يجيء الآخر راضيا بحكم القرآن، وأما أهل ذمتنا فمن جاءنا أن نحكم له بحكم القرآن حكمنا له . مالك
وسألت عن ذلك فقال: يعرض عنهما حتى يجيئا جميعا . الليث بن سعد
وقد روينا عن أنه قال في عمر بن عبد العزيز تقسم على فرائض الإسلام إذا جاؤوك فيه، وإن أبوا فردهم إلى أمر دينهم . مواريث أهل الذمة:
وقال أبو عمرو : إذا جاء أحدهما راضيا بحكم القرآن في النكاح والطلاق والمهر والشروط حكم له بما في كتاب الله .
قال أبو عمرو : ولو أن لم [ ص: 596 ] يؤخذ له، ولو ذميا سرق من صاحبه خمرا فاستعدى عليه أبطله . اختصم إلى إمام المسلمين في بيع فيه ربا
وقال أبو عمرو في ذميين تنازعا إلى الإمام فسألاه أن يردهما إلى أساقفتهما، قال: إذا نزعا جميعا أعرض عنهما، وإن نزع أحدهما وثبت الآخر أنفذ الإمام حكمه إلى الآخر .
وكان يقول: إذا جاءت امرأة رجل منهم تستعدي عليه بأنه طلقها، أو آلى منها. حكمت عليه كحكمي على المسلمين فألزمته الطلاق وفيئة الإيلاء، فإن فاء وإلا أخذته بأن يطلق، وإن قالت تظاهر مني أمرته أن لا يقربها حتى يكفر، وإن جاءنا يريد أن يتزوج لن نزوجه إلا كما يزوج المسلم برضا المزوجة ومهر وشهود عدول من المسلمين، فإن جاءتنا امرأته وقد نكحها تريد إفساد نكاحه بأنه نكحها بغير شهود مسلمين أو غير ولي لم نكن نرد نكاحه إذا كان اسمه عندهم نكاحا، لأن النكاح ماض قبل حكمنا قال الله ( الشافعي اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ) فلم يأمره برد ما مضى من الربا وأمرهم بأن لا يأخذوا ما لم يقبضوا منه ورجعوا منه إلى [رؤوس] أموالهم، وأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح المشرك لما كان قبل حكمه وإسلامهم، وكان منقضيا، ورد ما جاوز أربعا من النساء، لأنهن بواق فتجاوز عما مضى .
قال : وإذا كان البيع الحرام بين المسلم والنصراني فإن كل ما يجب فسخه بين المسلمين فإنه يفسخ بين النصراني والمسلم، [ ص: 597 ] ولا يجاز بينهما إلا ما يجاز بين المسلمين، هذا قول أبو بكر مالك والكوفي، ولا أحفظ عن غيرهم خلاف قولهم. وقال والشافعي في أهل الذمة: يؤدبون إذا أظهروا الربا . مالك
قال : أبو بكر في قول وإذا اختصم أهل الذمة وتحاكموا إلى قاضي المسلمين حكم بينهم بحكم الإسلام مالك ، وكذلك قال والشافعي الكوفي إلا في بيع الخمر والخنازير فإنه يجيز ذلك بينهم، قال: لأنهم يستحلون ذلك .
قال : وهذا خلاف ظاهر القرآن قال الله: ( أبو بكر وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ) والقسط العدل، حكم الله الذي أنزل على رسوله .
قال : وإذا أبو بكر فالنكاح جائز في قول تزوج ذمي ذمية في دار الإسلام في عدة، النعمان ، ولا يجوز في قول الشافعي ويعقوب إذا استعدى أحدهما على الآخر، وكذلك إن أسلما يفرق يعقوب بينهما، وإذا تزوجها بغير شهود فهو جائز في قول الشافعي ويعقوب والنعمان . وقال : الشافعي ولو إذا جاءتنا نصرانية قد نكحها مسلم نكاحا [ ص: 598 ] فاسدا - أي نكاح كان - أبطلنا النكاح، ورددته بالثمن على النصراني إن كان قبض الثمن، وإن كانا نصرانيين وتحاكما إلينا، ولم يتقابضا الخمر فكذلك نرده، وإن تقابضا لم نرد، لأنه قد مضى، وإن تبايعاها فقبض المشتري بعضا ولم يقبض بعضا لم يرد المقبوض، ورد مالم يقبض. قال: ولو طلق رجل امرأته ثلاثا ثم تزوجها - وذلك جائز عنده - فسخنا النكاح وجعلنا لها مهر مثلها إن أصابها، ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره يصيبها، فإذا نكحت زوجا غيره مسلما أو ذميا فأصابها حل له أن ينكحها، ويبطل بينهم البيوع التي تبطل بين المسلمين كلها، فإذا مضت واستهلكت لم نبطلها إنما نبطلها ما كانت قائمة. وكان جاء نصراني باع مسلما خمرا [أبطلت] البيع قبض أو لم يقبض، يقول في أحمد بن حنبل قيل اليهود والنصارى إذا اختصموا إلى إمام المسلمين في الخمر والخنزير قال: ما يعجبني أحكم بينهم في الخمر والخنازير والدم ونحو هذا. لأحمد : فإن اختصموا في أثمانها. قال: يحكم بينهم .
قال : ما بينهما فرق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر فدل على أن النبي إذا حرم [شيئا] حرم ثمنه، وأحسب أن بعض هذا الكلام في بعض الأخبار . [ ص: 599 ] "لعن الله اليهود - أو قاتل الله اليهود - حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها"