أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، قال: حدثني ابن إسحاق عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي، وكان واعية، عن بعض أهل العلم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الله عز وجل كرامته وابتدأه، فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه وعن يمينه وعن شماله ولا يرى إلا الشجر وما حوله من الحجارة وهي تحييه بتحية النبوة: السلام عليك يا رسول الله [ ص: 147 ] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى حراء في كل عام شهرا من السنة ينسك فيه، وكان من نسك من لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه وسمع منه، قريش في الجاهلية يطعم من جاء من المساكين حتى إذا انصرف من مجاورته وقضائه لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به ما أراد من كرامته من السنة التي بعث فيها، وذلك الشهر رمضان فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يخرج لجواره، وخرج معه بأهله حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد به جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فجاءني، وأنا نائم، فقال: اقرأ.
فقلت: ما أقرأ؟ فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم كشفه عني، فقال: اقرأ: فقلت: وما أقرأ؟ فعاد لي بمثل ذلك، ثم قال: اقرأ.
فقلت: وما أقرأ وما أقولها إلا تنجيا أن يعود لي بمثل الذي صنع، فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم .
ثم انتهى، فانصرف عني وهببت من نومي فكأنما صور في قلبي كتابا، ولم يكن في خلق الله عز وجل أحد أبغض إلي من شاعر أو مجنون فكنت لا أطيق أنظر إليهما، فقلت: إن الأبعد يعني نفسه لشاعر أو مجنون , ثم قلت: لا تحدث [ ص: 148 ] عني قريش بهذا أبدا، لأعمدن إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي منه فلأقتلنها فلأستريحن، فخرجت ما أريد غير ذلك فبينا أنا عامد لذلك إذ سمعت مناديا ينادي من السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل، فرفعت رأسي إلى السماء انظر فإذا جبريل عليه السلام في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله، وأنا جبريل فرفعت أنظر إليه وشغلني عن ذلك وعما أريد، فوقفت وما أقدر على أن أتقدم ولا أتأخر، وما أصرف وجهي في ناحية من السماء إلا رأيته فيها، فما زلت واقفا ما أتقدم ولا أتأخر حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي حتى بلغوا مكة، ورجعوا فلم أزل كذلك حتى كاد النهار يتحول، ثم انصرف عني وانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا إليها، فقالت: يا أبا القاسم أين كنت؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا، فقلت لها: إن الأبعد لشاعر أو مجنون.
فقالت: أعيذك بالله تعالى من ذلك يا أبا القاسم، ما كان الله ليفعل بك ذلك مع ما أعلم من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وحسن خلقك، وصلة رحمك.
وما ذاك يا ابن عم، لعلك رأيت شيئا أو سمعته.
فأخبرتها الخبر.
فقالت: أبشر يا ابن عم، واثبت له فوالذي يحلف به إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة.
ثم قامت فجمعت ثيابها عليها، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل وهو ابن عمها، وكان قد قرأ الكتب وتنصر وسمع من التوراة والإنجيل، فأخبرته الخبر، وقصت عليه ما قص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى وسمع.
فقال ورقة: قدوس [ ص: 149 ] قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتيني يا خديجة، إنه لنبي هذه الأمة، وإنه ليأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى عليه السلام، فقولي له فليثبت.
فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ما قال لها ورقة فسهل ذلك عليه بعض ما هو فيه من الهم بما جاءه.
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره صنع كما كان يصنع: بدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة وهو يطوف بالكعبة فقال: يا ابن أخي أخبرني بالذي رأيت وسمعت، فقص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، فقال ورقة: والذي نفسي بيده إنه ليأتيك الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنك لنبي هذه الأمة، ولتؤذين، ولتكذبن، ولتقاتلن، ولتنصرن، ولئن أنا أدركت ذلك لأنصرنك نصرا يعلمه الله، ثم أدنى إليه رأسه فقبل يافوخه، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله، وقد زاده الله عز وجل من قول ورقة ثباتا، وخفف عنه بعض ما كان فيه من الهم ".