وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس، قال: حدثنا قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال [ ص: 133 ] : حدثني ابن إسحاق، جهم بن أبي جهم مولى لامرأة من بني تميم، كانت عند الحارث بن حاطب، فكان يقال: مولى الحارث بن حاطب قال: حدثني من سمع عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، يقول: حدثت عن حليمة بنت الحارث أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته، أنها قالت: " مكة في نسوة من بني سعد بن بكر ألتمس بها الرضعاء، وفي سنة شهباء، فقدمت على أتان لي قمراء كانت أذمت بالركب، ومعي صبي لنا، وشارف لنا، والله ما تبض بقطرة، وما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبينا ذاك، ما يجد في ثديي ما يغنيه، ولا في شارفنا ما يغذيه، فقدمنا قدمت مكة، فوالله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأباه، إذا قيل: إنه يتيم تركناه، قلنا: ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه؟ إنما نرجو المعروف من أبي الوليد، وأما أمه فماذا عسى أن تصنع إلينا؟ فوالله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعا , غيري.
فلما لم أجد رضيعا غيره قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى: والله إني لأكره أن أرجع [ ص: 134 ] من بين صواحبي ليس معي رضيع، لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه.
فقال: لا عليك.
فذهبت فأخذته، فوالله ما أخذته إلا أني لم أجد غيره، فما هو إلا أن أخذته فجئت به إلى رحلي، فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب أخوه حتى روي، وقام صاحبي إلى شارفنا تلك، فإذا إنها لحافل، فحلب ما شرب، وشربت حتى روينا.
فبتنا بخير ليلة، فقال صاحبي: حليمة، والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة، ألم تري ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه؟ فلم يزل الله عز وجل يزيدنا خيرا حتى خرجنا راجعين إلى بلادنا، فوالله لقطعت أتاني بالركب حتى ما يتعلق بها حمار، حتى إن صواحباتي يقلن: ويلك يا يا ابنة أبي ذؤيب، أهذه أتانك التي خرجت عليها معنا؟ فأقول: نعم، والله إنها لهي.
فيقلن: والله إن لها لشأنا.
حتى قدمنا أرض بني سعد، وما أعلم أرضا من أرض الله تعالى أجدب منها، فإن كانت غنمي لتسرح، ثم تروح شباعا لبنا، فنحلب ما شئنا، وما حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لبن، وإن أغنامهم لتروح جياعا، حتى إنهم ليقولون لرعيانهم: ويحكم انظروا حيث تسرح غنم ابنة أبي ذؤيب، فاسرحوا معهم.
فيسرحون مع غنمي حيث تسرح، فيريحون أغنامهم جياعا ما فيها قطرة لبن، وتروح غنمي شباعا لبنا نحلب ما شئنا.
فكان يشب شبابا لا يشبه [ ص: 135 ] الغلمان، فوالله ما بلغ السنتين حتى كان غلاما جفرا، فقدمنا به على أمه ونحن أضن شيء به مما رأينا فيه من البركة. فلم يزل الله تعالى يرينا البركة ونتعرفها حتى بلغ سنتيه،
فلما رأته أمه، قلنا لها: يا ظئر، دعينا نرجع ببنينا هذه السنة الأخرى، فإنا نخشى عليه وباء مكة، فوالله ما زلنا بها حتى قالت: فنعم، فسرحته معنا، فأقمنا به شهرين أو ثلاثة، فبينا هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا، جاءنا أخوه ذلك يشتد، فقال: ذاك أخي القرشي، قد جاءه رجلان عليهما ثياب بياض، فأضجعاه، فشقا بطنه.
فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه، فنجده قائما منتقعا لونه، فاعتنقه أبوه، فقال: أي بني ما شأنك؟ فقال: جاءني رجلان عليهما ثياب بياض، فأضجعاني، فشقا بطني، ثم استخرجا منه شيئا، فطرحاه، ثم رداه كما كان.
فرجعنا به معنا، فقال أبوه: يا حليمة، لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب، فانطلقي بنا فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر فيه ما نتخوف.
قالت حليمة: فاحتملناه، فلم ترع أمه إلا به قد قدمنا به عليها، فقالت: ما ردكما به؟ فقد كنتما عليه حريصين، فقلنا لها: لا والله يا ظئر، إلا أن الله تعالى قد أدى عنا، وقضينا الذي علينا، فقلنا: نخشى الإتلاف والأحداث، نرده على أهله، قالت: ما ذاك بكما، فاصدقاني شأنكما، فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره.
قالت: أخشيتما عليه الشيطان؟ كلا والله , ما للشيطان عليه سبيل، وإنه لكائن لابني هذا شأن، ألا أخبركما [ ص: 136 ] خبره؟ قلنا: بلى , قالت: حملت به، فما حملت حملا قط أخف منه، فأريت في المنام حين حملت به كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام، ثم وقع حين ولدته وقوعا ما يقعه المولود، معتمدا على يديه، رافعا رأسه إلى السماء؛ فدعاه عنكما " [ ص: 137 ] [ ص: 138 ] [ ص: 139 ] قلت: وقد روى محمد بن زكريا الغلابي بإسناده عن عن ابن عباس، حليمة، هذه القصة بزيادات كثيرة، وهي لي مسموعة، إلا أن محمد بن زكريا هذا متهم بالوضع فالاقتصار على ما هو معروف عند أهل المغازي أولى. والله أعلم.
ثم إني استخرت الله تعالى في إيرادها فوقعت الخيرة على إلحاقه بما تقدمه من نقل أهل المغازي، لشهرته بين المذكورين.