[ ص: 183 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الصنعاني، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد قال: أخبرنا أخبرنا عبد الرزاق، معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البيت رجال فيهم ابن عباس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عمر بن الخطاب فقال "هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا" عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب [ ص: 184 ] الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول ما قال عمر.
فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قوموا" قال فكان عبد الله: يقول: إن الرزية، كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم ابن عباس رواه عن البخاري في الصحيح عن وغيره، ورواه علي بن المديني مسلم عن وغيره , عن محمد بن رافع وإنما قصد عبد الرزاق رضي الله عنه بما قال التخفيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه، قد غلب عليه الوجع، ولو كان ما يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب لهم شيئا مفروضا، لا يستغنون عنه لم يتركه باختلافهم ولغطهم لقول الله عز وجل عمر بن الخطاب بلغ ما أنزل إليك من ربك كما لم يترك تبليغ غيره بمخالفة من خالفه، ومعاداة من عاداه، وإنما أراد ما حكى عن أهل العلم قبله، أن يكتب استخلاف سفيان بن عيينة أبي بكر ثم ترك كتابته اعتمادا على ما علم من تقدير الله تعالى، ذلك كما هم به في ابتداء مرضه حين قال: وارأساه، ثم بدا له أن لا يكتب وقال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر، ثم نبه أمته على خلافته، باستخلافه إياه في الصلاة حين عجز عن حضورها، وإن كان المراد به [ ص: 185 ] رفع الخلاف في الدين، فإن رضي الله عنه علم أن الله تعالى قد أكمل دينه بقوله: عمر بن الخطاب
.
اليوم أكملت لكم دينكم. وعلم أنه لا تحدث واقعة إلى يوم القيامة إلا وفي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بيانها نصا أو دلالة.
وفي نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على جميع ذلك في مرض موته مع شدة وعكه مما يشق عليه، فرأى رضي الله عنه الاقتصار على ما سبق بيانه نصا أو دلالة تخفيفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكي لا تزول فضيلة أهل العلم بالاجتهاد في الاستنباط، وإلحاق الفروع بالأصول، بما دل الكتاب والسنة عليه. عمر بن الخطاب
وفيما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم
وإذا اجهتد فأخطأ، فله أجر واحد" "إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران. دليل على أنه وأنه أحرز من أصاب منهم الأجرين الموعودين، أحدهما بالاجتهاد، والآخر بإصابة العين المطلوبة بما عليها من الدلالة في الكتاب أو السنة، وإنه أحرز من اجتهد فأخطأ أجرا واحدا باجتهاده، ورفع إثم الخطأ عنه، وذلك في أحكام الشريعة التي لم يأت بيانها نصا وإنما ورد خفيا. وكل بيان بعض الأحكام إلى اجتهاد العلماء،
فأما مسائل الأصول، فقد ورد بيانها جليا، فلا عذر لمن خالف بيانه لما فيه من فضيلة العلماء بالاجتهاد، وإلحاق الفروع بالأصول بالدلالة، مع طلب التخفيف على صاحب الشريعة، وفي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنكار عليه فيما قال دليل واضح على استصوابه رأيه، وبالله التوفيق.