المسألة الثالثة والعشرون : في التخصيص بالقياس
ذهب الجمهور إلى جوازه .
قال الرازي في المحصول : وهو قول أبي حنيفة ، ، والشافعي ومالك ، وأبي الحسين البصري ، والأشعري ، وأبي هاشم أخيرا .
وحكاه في مختصر المنتهى ، عن هؤلاء ، وزاد معهم الإمام الرابع ابن الحاجب ، وكذا حكى أحمد بن حنبل ابن الهمام في التحرير .
وحكى القاضي عبد الجبار ، عن الحنابلة ، عن أحمد روايتين .
وحكاه الشيخ أبو حامد ، عن وسليم الرازي ابن سريج .
وذهب إلى المنع مطلقا . أبو علي الجبائي
ونقله الشيخ أبو حامد ، عن وسليم الرازي ، وقيل : إن ذلك إنما هو في رواية عنه ، قال بها طائفة من أصحابه . أحمد بن حنبل
ونقله القاضي عن طائفة من أبو بكر الباقلاني المتكلمين ، وعن الأشعري .
وذهب إلى أنه يجوز إن كان العام قد خصص قبل ذلك بنص قطعي ، كذا حكاه عنه القاضي عيسى بن أبان أبو بكر في التقريب ، والشيخ ، وأطلق صاحب المحصول الحكاية عنه ، ولم يقيدها بكون النص قطعيا ، وحكى هذا المذهب الشيخ أبو إسحاق الشيرازي عن بعض أبو إسحاق الشيرازي العراقيين .
وذهب الكرخي إلى أنه يجوز إن كان قد خص بدليل منفصل ، وإلا فلا ، كذا حكاه عنه صاحب المحصول ، وغيره .
[ ص: 454 ] وذهب الإصطخري إلى أنه يجوز إن كان القياس جليا ، وإلا فلا ، كذا حكاه عنه ، الشيخ أبو حامد ، وحكاه وسليم الرازي أيضا عن الشيخ أبو حامد إسماعيل بن مروان من أصحاب . الشافعي
وحكاه الأستاذ أبو منصور ، عن ، أبي القاسم الأنماطي ومبارك بن أبان ، ، وحكاه وأبي علي الطبري في مختصر المنتهى عن ابن الحاجب ابن سريج ، والصحيح عنه ما تقدم .
وذهب إلى أنه إن تفاوت القياس والعام في غلبة الظن ، رجح الأقوى ، فإن تعادلا فالوقف ، واختاره الغزالي المطرزي ، ورجحه ، واستحسنه الفخر الرازي القرافي ، والقرطبي .
وذهب إلى أن العلة إن كانت منصوصة أو مجمعا عليها جاز التخصيص به ، وإلا فلا . الآمدي
وقد حكى في النهاية مذهبين لم ينسبهما إلى من قالهما : إمام الحرمين
أحدهما : أنه يجوز إن كان الأصل المقيس عليه مخرجا من عام وإلا فلا .
والثاني : أنه يجوز إن كان الأصل المقيس عليه مخرجا من غير ذلك العام ، وإلا فلا .
وقال الشيخ : القياس إن كان جليا مثل أبو حامد الإسفراييني فلا تقل لهما أف جاز التخصيص به بالإجماع ، وإن كان واضحا ، وهو المشتمل على جميع معنى الأصل ، كقياس الربا ، فالتخصيص به جائز في قول عامة أصحابنا ، إلا طائفة شذت لا يعتد [ ص: 455 ] بقولهم ، وإن كان خفيا ، وهو قياس علته الشبه ، فأكثر أصحابنا أنه لا يجوز التخصيص به ، ومنهم من شذ فجوزه .
قال الأستاذ أبو منصور ، والأستاذ أبو إسحاق أجمع أصحابنا على جواز التخصيص بالقياس الجلي .
واختلفوا في الخفي على وجهين ، والصحيح الذي عليه الأكثرون جوازه أيضا ، وكذا قال ، أبو الحسين بن القطان والماوردي ، ، وذكر الشيخ والروياني أن أبو إسحاق الشيرازي نص على جواز التخصيص بالخفي في مواضع . الشافعي
واحتج الجمهور : بأن العموم والقياس دليلان متعارضان ، والقياس خاص ، فوجب تقديمه .
وبهذا يعرف أنه لا ينتهض احتجاج المانعين بقولهم : لو قدم القياس على عموم الخبر لزم تقديم الأضعف على الأقوى ، وأنه باطل ; لأن هذا التقديم إنما يكون عند إبطال أحدهما بالآخر ، فأما عند الجمع بينهما وإعمالهما جميعا فلا .
وقد طول أهل الأصول الكلام في هذا البحث بإيراد شبه زائفة لا طائل تحتها .
وسيأتي تحقيق الحق إن شاء الله تعالى في باب القياس ، فمن منع من العمل به مطلقا منع من التخصيص به ، ومن منع من بعض أنواعه دون بعض ، منع من التخصيص بذلك البعض ، ومن قبله مطلقا خصص به مطلقا .
والتفاصيل المذكورة هنا من جهة القابلين له مطلقا ، إنما هي باعتبار كونه وقع هنا مقابلا لدلالة العموم .
والحق الحقيق بالقبول : أنه يخصص بالقياس الجلي ; لأنه معمول به لقوة دلالته ، وبلوغها إلى حد يوازن النصوص ، وكذا يخصص بما كانت علته منصوصة ، أو مجمعا عليها ، أما العلة المنصوصة فالقياس الكائن بها في قوة النص ، وأما العلة المجمع عليها فلكون ذلك الإجماع قد دل على دليل مجمع عليه ، وما عدا هذه الثلاثة الأنواع من القياس ، فلم تقم الحجة بالعمل به من أصله .
وسيأتي إن شاء الله الكلام على هذا في القياس على وجه يتضح به الحق اتضاحا لا يبقى عنده ريب لمرتاب .