المسألة السادسة عشرة
إن صرح فيه بالاختصاص به ، كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم الخطاب الخاص بواحد من الأمة تجزئك ولا تجزئ أحدا بعد فلا شك في اختصاصه بذلك المخاطب ، وإن لم يصرح فيه بالاختصاص بذلك المخاطب ، فذهب الجمهور إلى أنه مختص بذلك المخاطب ، ولا يتناول غيره إلا بدليل من خارج .
[ ص: 378 ] وقال بعض الحنابلة وبعض الشافعية : إنه يعم بدليل ما روي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم حكمي على الواحد كحكمي على الجماعة ، وما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، ونحو ذلك . إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة
ولا يخفاك أن الاستدلال بهذا خارج عن محل النزاع ، فإنه لا خلاف أنه إذا دل دليل من خارج على أن حكم غير ذلك المخاطب كحكمه كان له حكمه بذلك الدليل ، وإنما النزاع في نفس تلك الصيغة الخاصة ، هل تعم بمجردها أم لا ؟ فمن قال : إنها تعمها بلفظها فقد جاء بما لا تفيده لغة العرب ، ولا تقتضيه بوجه من الوجوه .
قال القاضي أبو بكر : هو عام بالشرع ، لا بوضع اللغة للقطع باختصاصه به لغة .
قال : لا ينبغي أن يكون في هذه المسألة خلاف إذ لا شك أن الخطاب خاص لغة بذلك الواحد ، ولا خلاف أنه عام بحسب العرف الشرعي ، وقيل : بل الخلاف معنوي لا لفظي ; لأنا نقول : الأصل ما هو ؟ هل هو مورده الشرع أو مقتضى اللغة . إمام الحرمين الجويني
قال الصفي الهندي : لا نسلم أن الخطاب عام في العرف الشرعي .
قال الزركشي : والحق أن التعميم منتف لغة ثابت شرعا ، والخلاف في أن العادة هل تقضي بالاشتراك بحيث يتبادر فهم أهل العرب إليها أو لا ؟ فأصحابنا - يعني الشافعية - يقولون : لا قضاء للعادة في ذلك ، كما لا قضاء لللغة ، والخصم يقول إنها تقضي بذلك . انتهى .
والحاصل في هذه المسألة على ما يقتضيه الحق ، ويوجبه الإنصاف عدم التناول لغير المخاطب من حيث الصيغة ، بل بالدليل الخارجي ، وقد ثبت عن الصحابة فمن بعدهم [ ص: 379 ] الاستدلال بأقضيته صلى الله عليه وآله وسلم الخاصة بالواحد أو الجماعة المخصوصة على ثبوت مثل ذلك لسائر الأمة . فكان هذا مع الأدلة الدالة على عموم الرسالة ، وعلى استواء أقدام هذه الأمة في الأحكام الشرعية مفيدا لإلحاق غير ذلك المخاطب به في ذلك الحكم عند الإطلاق إلا أن يقوم الدليل الدال على اختصاصه بذلك .
فعرفت بهذا أن الراجح التعميم حتى يقوم دليل التخصيص ، لا كما قيل : إن الراجح التخصيص حتى يقوم دليل التعميم ; لأنه قد قام كما ذكرناه .