الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        [ ص: 361 ] المسألة السابعة : في عموم الجمع المنكر للقلة أو للكثرة

                        قال جمهور أهل الأصول : إن جمع القلة المنكر ليس بعام ; لظهوره في العشرة فما دونها .

                        وأما جمع الكثرة المنكر فذهب جمهور المحققين إلى أنه ليس بعام ، وخالف في ذلك الجبائي ، وبعض الحنفية ، وابن حزم ، وحكاه ابن برهان عن المعتزلة ، واختاره البزدوي ، وابن الساعاتي ، وهو أحد وجهي الشافعية ، كما حكاه الشيخ أبو حامد الإسفراييني ، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي وسليم الرازي .

                        احتج الجمهور بأن الجمع المنكر لا يتبادر منه عند إطلاقه عن قرينة العموم نحو رأيت رجالا ، استغراق الرجال ، كما أن رجلا عند الإطلاق لا يتبادر منه الاستغراق لأفراد مفهومه ، ولو كان للعموم لتبادر منه ذلك ، فليس الجمع المنكر عاما ، كما أن رجلا كذلك .

                        قال في المحصول : لنا أن لفظ رجال يمكن نعته بأي جمع شئنا ، فيقال : رجال ثلاثة ، وأربعة ، وخمسة ، فمفهوم قولك : رجال ، يمكن أن يجعل مورد التقسيم لهذه الأقسام ، والمورد للتقسيم بالأقسام يكون مغايرا لكل واحد من تلك الأقسام ، وغير مستلزم لها ، فاللفظ الدال على ذلك المراد لا يكون له إشعار بتلك الأقسام ، فلا يكون دالا عليها ، وأما الثلاثة فهي مما لا بد فيه ، فثبت أنها تفيد الثلاث فقط .

                        احتج القائلون أنه يفيد العموم : بأنه قد ثبت إطلاقه على كل مرتبة من مراتب الجموع ، فإذا حملناه على الجميع فقد حملناه على جميع حقائقه ، فكان أولى .

                        وأجيب : بمنع إطلاقه على كل مرتبة حقيقة ، بل هو للقدر المشترك بينها كما تقدم ، ولا دلالة له على الخصوص أصلا .

                        واحتجوا ثانيا بأنه لو لم يكن للعموم لكان مخصصا بالبعض ، واللازم منتف لعدم [ ص: 362 ] المخصص ، وامتناع التخصيص بلا مخصص .

                        وأجيب : بالنقض برجل ونحوه ، مما ليس للعموم ، ولا مختصا بالبعض ، بل شائعا يصلح للجميع .

                        ولا يخفاك ضعف ما استدل به هؤلاء القائلون بأنه للعموم ، فإن دعوى عموم " رجال " لكل رجل مكابرة لما هو معلوم من اللغة ، ومعاندة لما يفهمه كل عارف بها .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية