لا توجد أمة في التاريخ ، تستطيع أن تنافس المسلمين، في اهتمامهم بتوفيرالإضاءة الصناعية، سواء في دورالعبادة، أو في قصرأهل الملك والثراء، أوفي المنازل البسيطة حتى، ويبدوا أن ولع المسلمين ، بتمديد أوقات العمل ، والحرص على العبادة في المساجد، والتعليم في مراكز الإشعاع الحضاري العلمي عندهم، مما يستدعي تمديد أوقات الدوام إلى ما بعد غروب الشمس ، كان الدافع الأكبر لحرصهم على توفير أدوات الإضاءة من خامات متعددة، تراوحت بين مواد زهيدة الثمن؛ مثل الفخار الذي صنعت منه المسارج ، أو المشكوات التي صنعت من الزجاج، أو حتى من المواد الثمينة ؛ مثل النحاس المزخرف بالفضة والذهب.
والشمعدانات كانت مجرد حوامل معدنية للشموع الكبيرة، توضع عادة في القاعات الاستقبال بالمنازل، كما لاحظ ذلك الرحالة ابن جبير في رحلته إلى مكة المكرمة، عام 579هـ ،حيث قال:" إن الشمعدانات الضخمة كانت تستعمل في إضاءة بعض جوانب الحرم المكي، خلال أداء صلاة التراويح.
يحتفظ متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، بعدد كبير من الشمعدانات صنعت لبعض السلاطين وأمراء الممالك الإسلامية، وزخرفت بكتابات نسخية توضح لمن صنعت، أو بخط الثلث، ومن ذلك: شمعدان صنع في القرن التاسع الهجري، وهو ذو تجويف بارز على رقبة ضيقة، مزخرفة بكتابة نسخية نصها: (هذ ما أوقف على الحجرة النبوية مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي بتاريخ 788هـ).
وفي قاعدة التجويف حواف بارزة محفورة في هيئة حبل؛ وعلى رقبة الشمعدان كتابة محفورة ، هي نص دعائي باسم قايتباي، حروفه على هيئة ألسنة اللهب ، وهي متقاطعة في القمة.
وتقع بين شريطين متقاطعين ضيقين من الزخارف النباتية المورقة والمزهرة، والجزء الأكبر من الفراغات مملوء بشريط من الكتابة النسخية تتكرر فيها عبارات الوقف المذكورة، ويلاحظ أن ألف اللامات في هذه الكتابة على هيئة ألسنة اللهب، وهي تتقاطع في القمة، وتتخلل الكتابة جامتان باسم قايتباي بخط الثلث، والأرضية متقطعة ، وعليها زخارف نباتية متباعدة.
استخدم الصناع في العصر المملوكي ، معدني الفضة والذهب لزخرفة بدن الشمعدان وفق طريقة تعرف باسم التكفيت، أي: استخدام معدن في زخرفة معدن آخر؛ ويتم ذلك بحفر الزخارف في بدن الشمعدان، وملئها بأسلاك من معدن مختلف، والطرق عليها حتى تتساوى مع مستوى سطح الآنية المعدنية.
ويعزى لصناع الموصل بالعراق فضل ابتكار فن التكفيت، ونقله إلى مصر وبلاد الشام في العصر المملوكي، ولما كان الكفتيون يحرصون في صناعاتهم للشمعدانات ،على التمييز بين ما يصنع منها للمساجد بقصر زخارفه على الكتابات والزخارف الهندسية والنباتية، وبين ما يصنع للاستخدام المنزلي باستخدام رسوم الطيور وبعض المخلوقات الأخرى، في تزيينه ، ومن أمثلة النوع الأخير : شمعدان صنع للأمير بدر الدين القرماني الناصري، وهو من البرونز، وشمعدان يعود للعصر الأيوبي: السطح العلوي لرقبته مزين برسوم لفنانين ، بينهم زخارف نباتية، وقد حوت قاعدة الشمعدان على اسم صناعه في نص تسجيلي يقرأ هكذا:(عمل الحاج إسماعيل نقش محمد بن فتوح الموصلي المطعم أجير الشجاع الموصلي النقاش).
وتنتشر ببدن الشمعدان أفاريز زخرفية وجامات، وعلى بدنه رسم لفارسين يصارعان دبا، ورسم لسلطان في مجلس ملكي، وهو يحمل سيفا، وحوله أتباعه يحملون السيوف، وبالبدن كتابة نصها:(العز والبقاء والظفر بالأعداء، ودوام العافية والرفعة والارتقاء والدوام)،وتحتوي مجموعة جاسم الحميض بالكويت، على مجموعة من أروع الشمعدانات المملوكية النادرة ، التي تدل على رقي هذه الحضارة ، وتقدمها على غيرها من الحضارات في الأزمنة السابقة.
- الكاتب:
موسوعة الحضارة الإسلامية بــ\"تصرف\" - التصنيف:
المركز الإعلامي