في تكوين الإنسان دافع أصيل بأن تكون له أشياء تخصه، وهذا الدافع له وظيفة إيجابية في السلوك حين يكون في حدوده المعقولة، ويقوِّم هذا الدافع قيم دينية وأعراف وقوانين حتى لا تحدث تعديات أو تجاوزات من أي فرد على ملكية غيره، وإذا حدث هذا التعدي فهو يعتبر ذنبا في الاصطلاح الديني، يعاقب عليه الله تعالى، كما يعتبر جرما في الاصطلاح القانوني يعاقب عليه المجتمع.
ويظهر هذا الدافع الفطري بصورة تلقائية لدى الطفل في نهاية السنة الأولى من عمره، ويكبر معه تدريجيا، فيعرف أن هذه ملابسه، وهذه لعبه، ويحرص على أن تكون له وحده دون غيره. ويبدأ من نهاية السنة الأولى بالتمسك بملكيته لأشيائه الخاصة، ويمنع الآخرين من أخذها، وإذا حدث أن سلبه أحد شيئا من أغراضه فإنه يبكي ويضرب الأرض بيديه ورجليه محاولا استردادها.
ومع هذا فإن حدود الملكية لا تكون واضحة لدى الطفل في سنوات عمره الأولى، فهو يريد أن يمتلك أي شيء يعجبه، ويستعين بوالديه للحصول على الأشياء التي يحبها ولا يستطيع الحصول عليها بنفسه، فإذا كبر قليلا وأصبح -هو نفسه- قادرا على أخذها فإنه لا يتردد في ذلك؛ إذ ليس عنده سبب يمنعه من أن يأخذ ما يحبه.
وهنا يأتي دور التربية الأسرية التي تعلم الطفل بأسلوب بسيط يستوعبه عقله الصغير بأن هناك أشياء تخصه وهناك أشياء تخص غيره كإخوته مثلا، ولا يصح أن يأخذ ملابس أخيه أو أخته أو لعبهما، وهم أيضا لن يأخذوا منه شيئا يخصه، وهنا يبدأ أول دروس حدود الملكية والأمانة. ولكي يتم ترسيخ هذه القيم في عقل الطفل ووجدانه يجب أن يكون له سريره ودولابه وملابسه ولعبه الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد.
وفي الوقت نفسه الذي يتعلم فيه الطفل معنى «الملكية» يجب أن يتعلم أن هناك شيئا اسمه «الاستئذان» فإذا أحب -مثلا- أن يلعب لبعض الوقت بلعبة أخيه، فيمكنه ذلك بعد أن يستأذن أخاه، ثم نعلمه أن هناك شيئا عظيما اسمه «الإيثار» وذلك بأن يعطي لأخيه بعض لعبه ليلعب بها بعض الوقت، وأن هناك خلقا عظيما اسمه «الأمانة» وهى عدم التعدي على أشياء إخوته أو أبيه وأمه أو رفاقه، وأن الله تعالى الذي خلقه وأحبه ومنحه والديه وكل شيء في حياته، يحب هذه الأمانة، ويكره أن يأخذ أحد شيئا ليس من حقه، وأنه يراه سبحانه حين يفعل ذلك، حتى لو لم يره أحد من البشر، وهكذا تكون هناك فرصة في سن مبكرة لإرساء هذه القواعد المهمة والأصيلة بشكل مبسط في سلوك الطفل، أما إذا فشلت هذه العملية التربوية فإننا قد نواجه مشكلات كثيرة ربما يصعب حلها في السن الأكبر.
عوامل وراء سرقة الأطفال
• العلاقة الجافَّة بين الطفل ووالديه والتي تأتي نتيجة عدم إشباع حاجته من الحُبِّ والحنان، أو لتعرُّضِه للعقوبة القاسية، أو لِشَدَّتِهما في التعامل معه في المرحلة الأولى من عمره، أو لعدم تعزيز شعوره بالاستقلال في المرحلة الثانية من عمره .. كلها عوامل تدفع بالطفل في كثير من الأحيان إلى السرقة كفعل انتقامي.
• قد يسرق الطفل الذي يعيش في جو أسري متقلب ومضطرب، تنعدم فيه الرقابة الأسرية، أو في أسرة متصدعة اجتماعياً، مهتزة القيم، أو مستواها الاقتصادي منخفض لا تلبي احتياجاته الأساسية من مأكل وملبس.
• يمارس بعض الآباء مع أطفالهم ما يسمى بالتدليل المفرط، حيث تلبى جميع رغبات الطفل على الفور، وبدون مناقشته في مدى احتياجه لها، مما يؤدي إلى غرس نوع من الأنانية وحب التملك في نفسيته، وعدم القدرة على الانتظار والصبر، أو تحمل الإحباط، فيلجأ للسرقة كأسهل حل للحصول على ما يريد.
• قد يسرق الطفل تقليدا لبعض الزملاء في المدرسة، بدون أن يفهم عاقبة ما يفعل، أو لأنه نشأ في بيئة إجرامية عودته على السرقة والاعتداء على ملكية الغير، حيث تشعره السرقة بنوع من القوة والانتصار وتقدير الذات.
• إصابة الطفل بمرض نفسي أو عقلي أو بسبب كونه يعانى من الضعف العقلي وانخفاض الذكاء، مما يجعله سهل الوقوع تحت سيطرة أولاد أكبر منه قد يوجهونه نحو السرقة، فالطفل المتخلف عقليا لا يدرك ما له وما عليه لقصور قدراته العقلية، فطفل في العاشرة ( العمر الزمني) وعمره العقلي (في الثالثة) تجده يسرق أغراض غيره لأنه لا يدرك معنى السرقة شأنه شأن الطفل ذي الثلاث سنوات.
• السرقة كنوع من حب المغامرة والاستطلاع: فقد نرى بعض الأطفال ينتظرون غياب حارس الحديقة للسطو على بعض من ثمارها، وقد لا تكفي لإشباع طيراً صغيرا، إلا أن دافع السرقة هنا ليس الجوع والحرمان ولكنه حب الاستطلاع والمخاطرة وروح المغامرة، بل قد يسرق الطفل - تحت هذا الدافع - طعاماً لم يره من قبل ولم يتذوقه.
• السرقة نتيجة الكراهية والعدوانية ضد الآخرين، كالطفل الذي يسرق من معلمه في المدرسة، لأنه يضربه أو يهينه بين زملائه، أو أن يسرق من زميله في الفصل، لأنه أفضل منه دراسياً.
• الخوف من العقاب والتخلص من مأزق: في بعض الأحيان يفقد الطفل إحدى لعبه وهو يلعب مع زملائه خارج المنزل فيخشى من إخبار والديه بذلك خوفًا من عقابهما، وللتخلص من هذا المأزق يلجأ الطفل لسرقة اللعبة من أحد زملائه أو يسرق نقودا من والديه ليشتري لعبة أخرى لإخفاء فعلته واتقاء لعقاب الأسرة.
انتبه لطفلك
السرقة أحدى العادات السلوكية السيئة المكتسبة التي لا ترجع إلى أية دوافع فطرية، فهي إذا ليست غريزة حتمية، وبالتالي يمكن تجنبها والتخلص منا نهائيا، فلا بد من دراسة الدوافع التي دفعت الطفل إلى السرقة، وهل السرقة عابرة أم متكررة ؟ .... وإذا استطعنا تحديد السبب سهل علينا بإذن الله تعالى معالجة المشكلة، مع الأخذ في الاعتبار التوجيهات التالية:
• الطفل دوما لا يسرق من أحد يحبه، فمشاعر الحب والحنان الأبوي للطفل بلسم يعالج الكثير من مشاكله السلوكية.
• عند اكتشاف سرقة الطفل لا ينبغي تهوين الذنب أو إخفائه حماية للطفل أو لسمعة أهله، بل ينبغي مواجهة الطفل بحزم وقوة، ولا نقصد بذلك القسوة والعنف معه، بل يكفي أن يفهم الطفل أن هذا العمل غير صحيح وغير مسموح به، ولابُدَّ من إرجاع ما أخذه إلى أصحابه والاعتذار منهم.
• لا بد أن يتعود الطفل قاعدة هامة أنه «من أتلف شيئًا فعليه إصلاحه» فإن سرق شيئًا لابد أن يرد هذا الشيء المسروق من مصروفه، ويخصم جزء من مصروفه لسداد ثمنه.
• عدم إذلال الطفل السارق، بل نشجعه على مواجهة المشكلة في صراحة وجلاء، لأنَّ تصرّفات الإذلال والتعيير قد تدفع الطفل إلى السرقة وبشكل أضخم من الأول، أيضا لا نبالغ في العقوبة بحرمان الطفل كل ما يريد، بل نكون مرنين حسبما يتطلب الأمر.
• على المربين والآباء أن يغرسوا في نفوس أبنائهم عقيدة المراقبة لله تعالى والخشية منه، وفضيلة «الأمانة» وأن يعرفوهم بالنتائج الوخيمة التي تنجم عن السرقة، حيث تستفحل بسببها سلوكيات الغش والخيانة، وأن يبصروهم بما أعد الله للمجرمين من مصير فاضح في الدنيا وعذاب أليم يوم القيامة.
• حين تصبح السرقة سلوكا متكررا ومزمنا لدى الطفل، وحين تفشل جهود الوالدين لاحتوائه.. هنا يجب عرض الطفل على طبيب نفسي لدراسة الحالة واكتشاف الاضطرابات المرضية أو المشكلات التربوية الكامنة خلف هذا السلوك، وربما يحتاج الأمر إلى إجراء بعض الاختبارات النفسية كاختبارات الذكاء والاختبارات النفسية التي تقيس درجات القلق أو الاكتئاب أو العدوان، والعلاج ربما يكون في صورة إعطاء بعض الأدوية المناسبة، أو في صورة علاج نفسي فردي أو علاج سلوكي أو علاج عائلي، حسب مقتضيات الحالة.
- الكاتب:
اسلام ويب ( د / خالد سعد النجار ) - التصنيف:
الأسرة اليوم