الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أكرمـكم.. أتقاكـم

أكرمـكم.. أتقاكـم

أكرمـكم.. أتقاكـم

إذا كنت عند الله كريما فلا يضرك بعد هذا أي نقص دنيوي كان فيك..

إن من فضائل دين الإسلام أنه لم يربط المكانة عند الله بكثرة مال، أو علو مقام أو كبير جاه، أو رفعة منزلة دنيوية، ولا حتى بحسن مظهر أو بجمال منظر، فيكفي أن يكون قلبك طاهرًا من أدران الشرك، وقبيح المعتقد، سالما من أمراض القلوب، مخموما من وساخات الأفكار، ودناءات الأخلاق. فإذا طهر القلب استجلب رضا الرب، ونال رفيع المقام.

لكن أحيانا ـ أو كثيرا ـ ما ينسى الناس ميزان الإسلام ويتعاملون بموازين الأرض، فعند ذلك لابد من تنبيههم من غفلتهم، وإيقاظهم من غفوتهم، وإعادة الأمور إلى نصابها..

أسامة بن زيد
لقد كان أسامة بن زيد ـ على ما قال أهل السير ـ أقرب للدمامة أو قل دميما أسود البشرة، أفطس الأنف (أشبه بأمه أم أيمن الحبشية منه من أبيه زيد العربي رضي الله عنهم أجمعين) ومع ذلك كان من أحب أهل الأرض إلى رسول الله وبالتالي إلى الله رب العالمين. حتى لقد استقر في أذهان الصحابة أنه الحب بن الحب، وأن مقامه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم مقام؛ ولذلك لما أرادوا أن يستشفعوا عند النبي عليه السلام في المرأة المخزومية التي سرقت لم يجدوا أقرب منه ولا أرجى في قبول الشفاعة.. فقالوا: "ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" (رواه مسلم)

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر أسامة على جيش فيه أبو بكر وعمر وكبار الصحابة وتكلم بعض الناس، قال عليه الصلاة والسلام: [إن تطعنوا في إمارتِه - يريدُ أسامةَ بنَ زيدٍ - فقد طعنتم في إمارةِ أبيه من قبلِه. وايمُ اللهِ! إن كان لخليقًا لها. وايم الله! إن كان لأحبَّ الناسِ إليَّ. وايم الله! إن هذا لها لخليقٌ - يريدُ أسامةَ بنَ زيدٍ -. وايم الله! إن كان لأحبَّهم إليَّ من بعده. فأوصيكم به فإنه من صالحيكم].

وفي حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها في صحيح النسائي قالت: حُدِّثتُ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ [من أحبَّني فليحبَّ أسامةَ].

ثابت بن قيس
ولم يكن ثابت بن قيس بن شماس أجمل من أسامة، بل كان رضي الله عنه قصيرًا دميما حتى إن زوجته اختلعت منه لهذا السبب ـ كما قال بعض أهل العلم ـ فقد روى أهل العلم "أن جميلة بنت عبد الله بن أبي كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وكانت تبغضه وهو يحبها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله! لا أنا ولا ثابت يجمع رأسي ورأسه شيء، والله لا أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، ما أطيقه بغضا إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سوادًا، وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجها، وكان قد أصدقها حديقة فاختلعت منه بها.. وهو أول خلع كان في الإسلام". "قال الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف أصله في البخاري"

ورغم هذا كله فما ضره قصره ولا دمامته، ولا منعه أن يكون خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحياة، وأن يثني عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: [نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس]، وأن يبشره بالجنة بعد الوفاة؛ فقد قالَ له رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: [أما ترضى أن تعيشَ حميدًا، وتُقتَلَ شهيدًا، وتدخلَ الجنَّةَ؟! قالَ رضيتُ ببشرى اللَّهِ ورسولِهِ] "قال الشوكاني في در السحابة: إسناده لا بأس به.

إن بعض الناس خدعتهم الظواهر، وفتنتهم المظاهر وجعلوا مقامات الناس على أساسها، وربما يقع في ذلك بعض الأخيار كما حدث في عهد النبي المختار ففي حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما تقولون في هذا)؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: (ما تقولون في هذا؟). قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا خير من ملء الأرض مثل هذا)(صحيح ابن ماجه).

عواقب وخيمة
إن هذه النظرة الخاطئة إلى الناس مما يغير الموازين ويفسد الحياة فيرفع الأشرار، ويوضع الأخيار، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويستأمن الخائن، ويخون الأمين، وينطق الرويبضة، ويتكلم التوافه في أمور الأمة العظيمة، ويعظم في الأمة كل تافه وأخرق.. وقد أخبر المختار سيد الأبرار أن ذلك من علامات الساعة وقرب نهاية الزمان.. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من اقتراب الساعة: أن يرفع الأشرار، ويوضع الأخيار، ويفتح القول، ويحبس العمل، ويقرأ في القوم بالمثناة. قلت: وما المثناة؟ قال: كتب سوى كتاب الله].

وفي صحيح ابن ماجة أيضا قوله عليه الصلاة والسلام: [سيأتى على الناس (أو قال: إن بين يدي الدجال) سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، و يكذب فيها الصادق، و يؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، و ينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه، يتكلم في أمر العامة].

والخلاصة أن مقامات الناس في هذا الدين وعند أهله يجب ألا تقف عند حدود المنظر والمظهر الخارجي، وإنما يجب أن ينظر إلى عقل الإنسان وعلمه، وصدقه في دينه وفهمه، وعمله لخدمة دينه وقومه، فكم من سمين عظيم لا يزن عند الله جناح بعوضة، وكم من أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره... وقانون الله الحكيم في قوله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}. صدق الله العظيم.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة