الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دعاة.. وساسة

دعاة.. وساسة

دعاة.. وساسة

1- حين أراد الحسين بن علي رضي الله عنهما الذهاب إلى الكوفة لمحاربة جيش بني أمية نهاه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جميعًا، وقال له قولته المشهورة: "يأبى الله أن يجمع لكم بين النّبوة والملك آلَ البيت".

هذه الجملة القصيرة تعبر عن شيء عظيم لم ينتبه إليه الكثيرون، وهذا الشيء هو مباينة طبيعة السياسة لطبيعة الدعوة؛ ولهذا فإن من العسير جدًّا على أي جماعة أو فئة أو حزب أو شخص الجمع بين فتوحات روحية وأخلاقية ظاهرة وبين انتصارات سياسية واضحة. إن السياسة هي مركز الموازنات والمناورات والمساومات والتنازلات، أما الدعوة فإنها أنشطة هداية وإرشاد وتوجيه، وعلى حين أن السياسة تقدم القادة ذوي الحنكة والدهاء، فإن المنتظَر من الدعوة أن تقدم القدوات والمنارات الأخلاقية للمجتمع. وكم سيكون من المؤذي أن يتحدث خطيب الجمعة في الخطبة الأولى عن الزهد في الدنيا وأهمية الإقبال على الآخرة، ويتحدث في الخطبة الثانية عن المرشح الفلاني للانتخابات، والذي يخالفه في الرأي، أو عن الزعيم الفلاني الذي ينبغي أن ينال ثقة المصلين لصلاحه وكفاءته!!


2- مجال السياسة هو مجال الملاحاة والخصومة والتنازع بين الفرقاء الذين يعملون فيه؛ حيث يعتقد كل فريق أن نجاحه منوط بإخفاق خصومه، وهذا يتطلب الحط من قدرهم ونقد المبادئ التي يرتكزون عليها والخلفيات والمرجعيات الثقافية التي ينطلقون منها. وهذا يعني ببساطة أن الداعية حين يعمل بالسياسة فإنه يعرّض العديد من مبادئ الإسلام وقيمه للاستهلاك اليومي في الفضائيات والصحف والمجلات...، وهذا شيء سيِّئ بكل المقاييس، حيث يعرِّض الوعي الشعبي للانقسام؛ بسبب تشكيكه في الجذع المشترك الذي يتحلَّق حوله الجميع.

وحين يصل بعض الدعاة إلى السلطة، يبدأ الاختبار الحقيقي لهم، وبما أن النجاح في السياسة دائمًا نسبي، وبما أن الناس لن يكفوا عن الشكوى والمطالبة بأكثر مما هو متاح، فإن المتوقع أن يستبطن فريق من الناس شيئًا من العداء للحكومة، وسيكون من الصعب عليهم الفصل بين سلوكيات الداعية القائد والحاكم وبين المبادئ التي يدعو إليها؛ مما يعني حدوث درجة من النفور من القيم والمبادئ الإسلامية نفسها، وهذا حدث في بلدان كثيرة في الماضي والحاضر، حيث تظهر الحكومة المتَّهمة بضعف الإنجاز في مظهر من يريد فرض قيمه وثقافته على شعبه، وهذا شيء غير مقبول؛ لأن التاريخ يعلِّمنا أنه ما فُرِض شيء -مهما كان نبيلاً- على الناس إلاّ ثاروا عليه.

3- نحن نريد من وراء عدم ممارسة الدعاة للسياسة ألاّ تتحمل الدعوة تبعات أخطاء السياسيين، وأن لا يتحمل السياسيون تبعات أخطاء الدعاة، حيث إن العمل الدعوي يجب أن يظل مزدهرًا وفاعلاً، سواء أكانت الحكومة إسلامية أو غير إسلامية. كما أننا لا نريد أن يجفل الناس من السياسيين المسلمين بسبب ما يلحظونه من أخطاء بعض الدعاة، ولهذا شرح طويل لا أريد الآن أن أقوم به، لكن أودّ الإشارة إلى أن من المهم دائمًا أن يتفهم الدعاة نوعية المهمة التي يقوم بها السياسيون، وأنها مهمة معقدة للغاية، وفيها الكثير من التحركات التي ترتبط بالمقاصد والغايات الكلية أكثر من ارتباطها بالأحكام الجزئية. كما أن من المهم كذلك أن يتفهم الساسة أهمية الدور الذي يقوم به الدعاة في هداية الخلق وتعليمهم أمور دينهم.

أنا أريد لكبار علماء الشريعة وكبار الدعاة أن يجعلوا من أنفسهم مرجعية إرشادية لكل فئات المجتمع، وهذا لا يتأتى إذا خاضوا في تفاصيل السياسات اليومية.

هذا هو السؤال الذي أحاول الإجابة عنه في المفردات التالية:
نحن لا نختلف في أن المنهج الرباني الأقوم بأحكامه وآدابه ورمزياته ينبغي أن يسري في كل مسارات حياتنا ومفاصلها، كما يسري الماء في العود الأخضر، ونحن لا نختلف كذلك بأن من حق كل الجماعات والأفراد أن يكون لهم دور في تزكية مجتمعاتهم وإصلاحها وتحسين الحياة فيها بالطرق السلمية. ولذا فإن حديثي اليوم ليس عن شيء من ذلك، وإنما عن ممارسة الداعية وممارسة الجماعات الإسلامية والدعوية للسياسة، هل هو شيء مفيد وإيجابي، أم أن ضرره أكبر من نفعه؟


مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة